SlideShare uma empresa Scribd logo
1 de 27
‫من كتاب‬


‫دخول‬
‫• تعريف السيرة وأهميتها‬
     ‫• حياته صلى ال عليه وسلم من مولده إلى بعثته‬
                                   ‫• المرحلة المكية‬
                                  ‫• المرحلة المدنية‬
           ‫• فترة الهدنة مع المشركين )6هـ - 8هـ(‬
                                      ‫• فتح مكـة‬
‫• فترة دخول الناس في دين ال أفواجا )8هـ - 11هـ(‬
                ‫• وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم‬
                     ‫• شمائله صلى ال عليه وسلم‬
‫الجزء الول‬


‫أو ل ً‬
     ‫:‬
‫• - السيرة لغة :‬
‫• تعني ال ّنة والطريقة، والحالة التي يكون‬
                              ‫س‬
‫عليها النسان وغيره. ُقال فلن له سيرة‬
                ‫ي‬
   ‫حسنة، وقال تعالى: )سنعيدها سيرتها‬
                     ‫الولى( )طه:12(.‬
            ‫- السيرة اصطل ح ًا:‬                 ‫•‬
   ‫السيرة اصطل ًا تعني قصة الحياة وتاريخها،‬
                                ‫ح‬               ‫•‬
     ‫وكتبها تس ّى: كتب السير، ُقال قرأت سيرة‬
                    ‫ي‬               ‫م‬
   ‫فلن: أي تاريخ حياته. والسيرة النبوية تعني‬
   ‫مجموع ما ورد لنا من وقائع حياة النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم وصفاته ال ُلقية وال َلقية، مضافا‬
           ‫خ‬          ‫خ‬
     ‫إليها غزواته وسراياه صلى ال عليه وسلم.‬
‫1- السيرة النبوية هي السبيل إلى فهم شخصية الرسول صلى ال عليه وسلم، من خلل‬
   ‫حياته وظروفه التي عاش فيها، للتأكد من أنه صلى ال عليه وسلم لم يكن مجرد عبقري‬
                           ‫سمت به عبقريته، ولكنه قبل ذلك رسول أيده ال بوحي من عنده.‬
    ‫2- تجعل السيرة النبوية بين يدي النسان صورة للمثل العلى في كل شأن من شؤون‬
 ‫الحياة الفاضلة، يتمسك به ويحذو حذوه، فقد جعل ال تعالى الرسول محم ًا صلى ال عليه‬
                  ‫د‬
‫وسلم قدوة للنسانية كلها، حيث قال سبحانه: )لقد كان لكم في رسول ال أسوة حسنة لمن‬
                                             ‫كان يرجو ال واليوم الخر( )الحزاب:12(.‬
‫3- السيرة النبوية تعين على فهم كتاب ال وتذوق روحه ومقاصده، فكثير من آيات القرآن‬
          ‫الكريم إنما تفسرها وتجليها الحداث التي مرت برسول ال صلى ال عليه وسلم.‬
  ‫4- السيرة النبوية صورة مجسدة نيرة لمجموع مبادئ السلم وأحكامه، فهي تك ّن لدى‬
        ‫و‬
    ‫دارسها أكبر قدر من الثقافة والمعارف السلمية، سواء ما كان منها متعل ًا بالعقيدة أو‬
                 ‫ق‬
                                                                    ‫الحكام أو الخلق.‬
‫ن َ س َ ب ُه صلى ا عليه وسلم:‬

                                                                       ‫الرسول صلى ال عليه وسلم هو:‬
‫) محمــد بن عبد ا بن عبد المطلب بن هاشــم ابن عبد مناف بن قصي‬
‫بن كلب بن م ُرة بن كعب بن ل ُ ؤ َ ي ّ بن غالب بن ف ِهر بن مالك ابن ال ن ّضر‬
  ‫بن ك ِنانة بن خ ُزيمة بن م ُدركة بن إلياس بن م ُضر بن نزار بن معد بن‬
                     ‫عدنان( )رواه البخاري( وعدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلم.‬

‫وأبوه: عبد ال بن عبد المطلب، كان أجمل قريش )قبيلة قريش( وأحب شبابها إليها، عاش طاه ًا كري ًا حتى‬
     ‫م‬      ‫ر‬
                                                     ‫تزوج بآمنة بنت وهب أم الرسول صلى ال عليه وسلم.‬
‫وأ م ّه: آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلب، وزهرة هو أخو قصي بن كلب جد الرسول صلى ال‬
                                                         ‫عليه وسلم، وكان أبوها سيد بني زهرة.‬
‫وج د ّه: عبد المطلب بن هاشم، هو سيد قبيلة قريش، أعطته رياستها لخصاله الوافرة، وقوة إرادته، وعزيمته‬
        ‫على فعل الخير لكل الناس، وقد اشتهر بحفر بئر )زمزم( التي تسقي الناس بمكة المكرمة إلى يومنا هذا.‬
‫وسلم:‬       ‫مولده صلى ا عليه‬
‫ولـد سيـد المرسلـين صلى ال عليه وسلم بشـعب بني هاشـم بمكـة في صبيحـة يــوم الثنين مـن شـهر ربيـع الول،‬
     ‫ولكن اليوم لم يثيت تحديدا في الحاديث الصحيحة و العـام هو عام الفيـل ، ولربعـين سنة خلت من ملك‬
‫كسرى أنو شروان، ويوافق ذلك سنة 175 م حسبما حققه العالم الكبير محمد سليمان ـ المنصور فورى ـ رحمه ال‬

 ‫وروى ابــن سعــد أن أم رســول ال صلى ال عليه وسلم قالــت : لمــا ولـدتــه خــرج مــن فرجـى نــور أضــاءت‬
                                               ‫لـه قصـور الشام. وروى أحمد والدارمى وغيرهمـا قريبًا مـن ذلك.‬
                                                         ‫ـ‬
 ‫وقد روى أن إرهاصات بالبعثة وقعت عند الميلد، فسقطت أربع عشرة شرفة من إيوان كسرى، وخمدت النار التي‬
‫يعبدها المجوس، وانهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة بعد أن غاضت، روى ذلك الطبرى والبيهقى وغيرهما. وليس‬
                                            ‫له إسناد ثابت، ولم يشهد له تاريخ تلك المم مع قوة دواعى التسجيل.‬
   ‫ولما ولدته أمه أرسلت إلى جده عبد المطلب تبشره بحفيده،فجاء مستبش ًا ودخل به الكعبة، ودعا ال وشكر له.‬
                                         ‫ر‬
            ‫واختار له اسم محمد ـ وهذا السم لم يكن معرو ًا في العرب ـ و َ َ َه يوم سابعه كما كان العرب يفعلون.‬
                                               ‫ختن‬                ‫ف‬
  ‫وأول من أرضعته من المراضع ـ وذلك بعد أمه صلى ال عليه وسلم بأسبوع ـ ُ َيْ َة مولة أبي لهب بلبن ابن لها‬
                               ‫ثو ب‬
‫يقال له: َسْ ُوح، وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد السد المخزومي.‬
                                                                                                 ‫م ر‬
‫وكانت العادة عند الحاضرين من العرب أن يلتمسوا المراضع لولدهم ابتعا ًا لهم عن أمراض الحواضر؛‬
                             ‫د‬
‫ولتقوى أجسامهم، وتشتد أعصابهم، ويتقنوا اللسان العربى في مهدهم، فالتمس عبد المطلب لرسول ال صلى‬
  ‫ال عليه وسلم المراضع، واسترضع له امرأة من بني سعد بن بكر، وهي حليمة بنت أبي ذؤيب عبد ال بن‬
                            ‫الحارث، وزوجها الحارث ابن عبد العزى المكنى بأبي كبشة من نفس القبيلة.‬
     ‫وإخوته صلى ال عليه وسلم هناك من الرضاعة : عبد ال بن الحارث، وأنيسة بنت الحارث، وحذافة أو‬
  ‫جذامة بنت الحارث ]وهي الشيماء؛ لقب غلب على اسمها[ وكانت تحضن رسول ال صلى ال عليه وسلم،‬
   ‫وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم رسول ال صلى ال عليه وسلم وكان عمه حمزة بن عبد‬
   ‫المطلب مسترض ًا في بني سعد بن بكر، فأرضعت أمه رسول ال صلى ال عليه وسلم يو ًا وهو عند أمه‬
                 ‫م‬                                                                ‫ع‬
   ‫حليمة،فكان حمزة رضيع رسول ال صلى ال عليه وسلم من جهتين، من جهة ثويبة ومن جهة السعدية.‬
                                        ‫ورأت حليمة من بركته صلى ال عليه وسلم ما قضت منه العجب‬
‫شق الصدر‬

‫وهكذا رجع رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى بني سعد، حتى إذا كان بعده بأشهر على قول ابن إسحاق،‬
 ‫وفي السنة الرابعة من مولده على قول المحققين وقع حادث شق صدره، روى مسلم عن أنس: أن رسول‬
    ‫ال صلى ال عليه وسلم أتاه جبريل، وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج‬
     ‫القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في َسْت من ذهب بماء زمزم، ثم‬
                              ‫ط‬
 ‫َ َه ـ أي جمعه وضم بعضه إلى بعض ـ ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه ـ يعنى ظئره ـ‬      ‫لم‬
‫فقالوا: إن محم ًا قد قتل، فاستقبلوه وهو ُنْ َ ِ ُ اللون ـ أي متغير اللون ـ قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك‬
                                                      ‫م تقع‬                            ‫د‬
                                                                                    ‫المخيط في صدره.‬
‫إلى أمه الحنون‬
                ‫وخشيت عليه حليمة بعد هذه الوقعة حتى ردته إلى أمه، فكان عند أمه إلى أن بلغ ست سنين.‬
     ‫ورأت آمنة ـ وفاء لذكرى زوجها الراحل ـ أن تزور قبره بيثرب، فخرجت من مكة قاطعة رحلة تبلغ نحو‬
‫خمسمائة كيلو متر ومعها ولدها اليتيم ـ محمد صلى ال عليه وسلم ـ وخادمتها أم أيمن، وقيمها عبد المطلب،‬
‫فمكثت شه ًا ثم قفلت، وبينما هي راجعة إذ لحقها المرض في أوائل الطريق، ثم اشتد حتى ماتت بالبْ َاء بين‬
      ‫و‬                                                                                   ‫ر‬
                                                                                        ‫مكة والمدينة.‬
                                                                      ‫إلى جده العطوف‬
    ‫وعاد به عبد المطلب إلى مكة، وكانت مشاعر الحنو في فؤاده تربو نحو حفيده اليتيم الذي أصيب بمصاب‬
‫جديد َ َأ الجروح القديمة، َ َ ّ عليه رقة لم يرقها على أحد من أولده، فكان ل يدعه لوحدته المفروضة، بل‬
                                                                     ‫فر ق‬                   ‫نك‬
   ‫يؤثره على أولده، قال ابن هشام: كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة، فكان بنوه يجلسون حول‬
‫فراشه ذلك حتى يخرج إليه، ل يجلس عليه أحد من بنيه إجل ً له، فكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يأتى‬
                                          ‫ل‬
‫وهو غلم جفر حتى يجلس عليه، فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه، فيقول عبد المطلب إذا رأي ذلك منهم: دعوا‬
        ‫ابني هذا، فوال إن له لشأ ًا، ثم يجلس معه على فراشه، ويمسح ظهره بيده، ويسره ما يراه يصنع.‬
                                                                         ‫ن‬
   ‫ولثمانى سنوات وشهرين وعشرة أيام من عمره صلى ال عليه وسلم توفي جده عبد المطلب بمكة، ورأي‬
                                         ‫قبل وفاته أن يعهد بكفالة حفيده إلى عمه أبي طالب شقيق أبيه.‬
‫إلى عمه الشفيق‬
        ‫ونهض أبو طالب بحق ابن أخيه على أكمل وجه، وضمه إلى ولده وقدمه عليهم واختصه بفضل احترام‬
     ‫وتقدير، وظل فوق أربعين سنة يعز جانبه، ويبسط عليه حمايته، ويصادق ويخاصم من أجله، وستأتي نبذ‬
                                                                                  ‫من ذلك في مواضعها.‬
  ‫ولما بلغ رسول ال صلى ال عليه وسلم اثنتى عشرة سنة ـ قيل: وشهرين وعشرة أيام ـ ارتحل به أبو طالب‬
‫تاج ًا إلى الشام، حتى وصل إلى ُصْ َى ـ وهي معدودة من الشام، و َ َ َة ل ُو َان، وكانت في ذلك الوقت قصبة‬
                              ‫قصب ح ر‬                               ‫ب ر‬                          ‫ر‬
      ‫للبلد العربية التي كانت تحت حكم الرومان. وكان في هذا البلد راهب عرف َب ِي َى، واسمه ـ فيما يقال:‬
                            ‫بحر‬
‫جرجس، فلما نزل الركب خرج إليهم، وكان ل يخرج إليهم قبل ذلك، فجعل يتخّلهم حتى جاء فأخذ بيد رسول ال‬
                               ‫ل‬
 ‫صلى ال عليه وسلم، وقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه ال رحمة للعالمين. فقال له‬

‫خر ساج ًا، ول يسجدان إل لنبى، وإنى أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة، ]وإنا نجده في‬
                                                                                               ‫د‬
    ‫كتبنا[، ثم أكرمهم بالضيافة، وسأل أبا طالب أن يرده، ول يقدم به إلى الشام؛ خو ًا عليه من الروم واليهود،‬
                             ‫ف‬
                                                                     ‫فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى مكة.‬
‫حياة الكدح‬
‫ولم يكن له صلى ال عليه وسلم عمل معين في أول شبابه، إل أن الروايات توالت أنه كان يرعى‬
‫غن ًا، رعاها في بني سعد، وفي مكة لهلها على قراريط، ويبدو أنه انتقل إلى عمل التجارة حين‬
                                                                                   ‫م‬
 ‫شب،فقد ورد أنه كان يتجر مع السائب بن أبي السائب المخزومي فكان خير شريك له، ل يدارى‬
                        ‫ول يمارى، وجاءه يوم الفتح فرحب به، وقال: مرح ًا بأخي وشريكي.‬
                                        ‫ب‬
 ‫وفي الخامسة والعشرين من سنه خرج تاج ًا إلى الشام في مال خديجة رضي ال عنها قال ابن‬
                                               ‫ر‬
      ‫إسحاق: كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها،‬
 ‫وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم، وكانت قريش قو ًا تجا ًا، فلما بلغها عن رسول ال صلى ال‬
                                   ‫ر‬     ‫م‬
   ‫عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه، وعظم أمانته وكرم أخلقه بعثت إليه، فعرضت عليه أن‬
 ‫يخرج في مال لها إلى الشام تاج ًا، وتعطيه أفضل ما كانت تعطى غيره من التجار، مع غلم لها‬
                                                         ‫ر‬
  ‫يقال له: ميسرة، فقبله رسول ال صلى ال عليه وسلم منها، وخرج في مالها ذلك، وخرج معه‬
                                                           ‫غلمها ميسرة حتى قدم الشام.‬
‫زواجه بخديجة‬
‫ولما رجع إلى مكة، ورأت خديجة في مالها من المانة والبركة ما لم تر قبل هذا، وأخبرها غلمها ميسرة‬
   ‫بما رأي فيه صلى ال عليه وسلم من خلل عذبة، وشمائل كريمة، وفكر راجح، ومنطق صادق، ونهج‬
     ‫أمين، وجدت ضالتها المنشودة ـ وكان السادات والرؤساء يحرصون على زواجها فتأبي عليهم ذلك ـ‬
   ‫فتحدثت بما في نفسها إلى صديقتها نفيسة بنت منبه، وهذه ذهبت إليه صلى ال عليه وسلم تفاتحه أن‬
       ‫يتزوج خديجة، فرضى بذلك، وكلم أعمامه، فذهبوا إلى عم خديجة وخطبوها إليه، وعلى إثر ذلك تم‬
 ‫الزواج، وحضر العقد بنو هاشم ورؤساء مضر، وذلك بعد رجوعه من الشام بشهرين، وأصدقها عشرين‬
   ‫َكْرة. وكانت سنها إذ ذاك أربعين سنة، وكانت يومئذ أفضل نساء قومها نس ًا وثروة وعق ً، وهي أول‬
               ‫ل‬             ‫ب‬                                                               ‫ب‬
                     ‫امرأة تزوجها رسول ال صلى ال عليه وسلم، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت.‬
    ‫وكل أولده صلى ال عليه وسلم منها سوى إبراهيم،ولدت له: أو ً القاسم ـ وبه كان يكنى ـ ثم زينب،‬
                                     ‫ل‬
        ‫ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة، وعبد ال . وكان عبد ال يلقب بالطيب والطاهر، ومات بنوه كلهم في‬
  ‫صغرهم، أما البنات فكلهن أدركن السلم فأسلمن وهاجرن،إل أنهن أدركتهن الوفاة في حياته صلى ال‬
                      ‫عليه وسلم سوى فاطمة رضي ال عنها، فقد تأخرت بعده ستة أشهر ثم لحقت به.‬
‫بناء الكعبة وقضية التحكيم‬
     ‫ولخمس وثلثين سنة من مولده صلى ال عليه وسلم قامت قريش ببناء الكعبة؛ وذلك لن‬
‫الكعبة كانت َضْ ًا فوق القامة، ارتفاعها تسعة أذرع من عهد إسماعيل عليه السلم، ولم يكن‬
                                                                        ‫ر م‬
 ‫لها سقف، فسرق نفر من اللصوص كنزها الذي كان في جوفها، وكانت مع ذلك قد تعرضت ـ‬
    ‫باعتبارها أث ًا قديما ـ للعوادى التي أدهت بنيانها، وصدعت جدرانها، وقبل بعثته صلى ال‬
                                                                             ‫ر‬
   ‫عليه وسلم بخمس سنين جرف مكة سيل عرم انحدر إلى البيت الحرام، فأوشكت الكعبة منه‬
 ‫على النهيار، فاضطرت قريش إلى تجديد بنائها حر ًا على مكانتها، واتفقوا على أل يدخلوا‬
                                       ‫ص‬
   ‫في بنائها إل طي ًا، فل يدخلون فيها مهر بغى ول بيع ر ًا ول مظلمة أحد من الناس، وكانوا‬
                                     ‫ب‬                                   ‫ب‬
   ‫يهابون هدمها، فابتدأ بها الوليد بن المغيرة المخزومى، فأخذ المعول وقال: ال م ل نريد إل‬
 ‫الخير، ثم هدم ناحية الركنين، ولما لم يصبه شيء تبعه الناس في الهدم في اليوم الثاني، ولم‬
     ‫يزالوا في الهدم حتى وصلوا إلى قواعد إبراهيم، ثم أرادوا الخذ في البناء فجزأوا الكعبة،‬
  ‫وخصصوا لكل قبيلة جز ًا منها. فجمعت كل قبيلة حجارة على حدة، وأخذوا يبنونها، وتولى‬
                                                                   ‫ء‬
     ‫البناء بناء رومي اسمه: باقوم. ولما بلغ البنيان موضع الحجر السود اختلفوا فيمن يمتاز‬
‫بشرف وضعه في مكانه، واستمر النزاع أربع ليال أو خم ًا، واشتد حتى كاد يتحول إلى حرب‬
                                  ‫س‬
‫ضروس في أرض الحرم، إل أن أبا أمية بن المغيرة المخزومى عرض عليهم أن يحكموا فيما‬
                                     ‫شجر بينهم أول داخل عليهم من باب المسجد فارتضوه،‬
‫بناء الكعبة وقضية التحكيم‬
 ‫وشاء ال أن يكون ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم، فلما رأوه هتفوا: هذا‬
          ‫المين، رضيناه، هذا محمد، فلما انتهى إليهم، وأخبروه الخبر طلب رداء‬
    ‫فوضع الحجر وسطه وطلب من رؤساء القبائل المتنازعين أن يمسكوا جمي ًا‬
     ‫ع‬
    ‫بأطراف الرداء، وأمرهم أن يرفعوه، حتى إذا أوصلوه إلى موضعه أخذه بيده‬
                            ‫فوضعه في مكانه، وهذا حل حصيف رضى به القوم.‬
         ‫وقصرت بقريش النفقة الطيبة فأخرجوا من الجهة الشمالية نحوا من ستة‬
‫أذرع، وهي التي تسمى بالحجر والحطيم، ورفعوا بابها من الرض؛ لئل يدخلها‬
        ‫إل من أرادوا، ولما بلغ البناء خمسة عشر ذرا ًا سقفوه على ستة أعمدة.‬
                                 ‫ع‬
      ‫وصارت الكعبة بعد انتهائها ذات شكل مربع تقري ًا، يبلغ ارتفاعه 51 مت ًا،‬
         ‫ر‬                     ‫ب‬
  ‫وطول ضلعه الذي فيه الحجر السود والمقابل له 01 أمتار، والحجر موضوع‬
‫على ارتفاع 1.05متر من أرضية المطاف. والضلع الذي فيه الباب والمقابل له‬
  ‫21مت ًا، وبابها على ارتفاع مترين من الرض، ويحيط بها من الخارج قصبة‬   ‫ر‬
   ‫من البناء أسفلها، متوسط ارتفاعها 0.52مت ًا ومتوسط عرضها 0.03 مت ًا‬
    ‫ر‬                              ‫ر‬
                   ‫وتسمى بالشاذروان، وهي من أصل البيت لكن قري ًا تركتها.‬
                            ‫ش‬
‫كان النبي صلى ال عليه وسلم قد جمع في نشأته خير ما في طبقات الناس من ميزات، وكان طرا ًا رفي ًا من‬
        ‫ع‬     ‫ز‬
  ‫الفكر الصائب، والنظر السديد، ونال ح ًا واف ًا من حسن الفطنة وأصالة الفكرة وسداد الوسيلة والهدف، وكان‬
                                                              ‫ظ ر‬
   ‫يستعين بصمته الطويل على طول التأمل وإدمان الفكرة واستكناه الحق، وطالع بعقله الخصب وفطرته الصافية‬
 ‫صحائف الحياة وشئون الناس وأحوال الجماعات، فعاف ما سواها من خرافة، ونأي عنها، ثم عاشر الناس على‬
  ‫بصيرة من أمره وأمرهم، فما وجد حس ًا شارك فيه وإل عاد إلى عزلته العتيدة، فكان ل يشرب الخمر، ول يأكل‬
                                                                     ‫ن‬
       ‫مما ذبح على النصب، ول يحضر للوثان عي ًا ول احتفا ً، بل كان من أول نشأته نافرا من هذه المعبودات‬
                                                   ‫ل‬           ‫د‬
              ‫الباطلة، حتى لم يكن شيء أبغض إليه منها، وحتى كان ل يصبر على سماع الحلف باللت والعزى.‬
  ‫ول شك أن القدر حاطه بالحفظ، فعندما تتحرك نوازع النفس لستطلع بعض متع الدنيا، وعندما يرضى باتباع‬
 ‫بعض التقاليد غير المحمودة ـ تتدخل العناية الربانية للحيلولة بينه وبينها، قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:‬
‫)ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يعملون غير مرتين، كل ذلك يحول ال بيني وبينه، ثم ما هممت به حتى‬
‫أكرمنى برسالته، قلت ليلة للغلم الذي يرعى معي الغنم بأعلى مكة: لو أبصرت لي غنمي حتى أدخل مكة وأسمر‬
‫بها كما يسمر الشباب، فقال: أفعل، فخرجت حتى إذا كنت عند أول دار بمكة سمعت عز ًا، فقلت: ما هذا؟ فقالوا:‬
                        ‫ف‬
 ‫عرس فلن بفلنة، فجلست أسمع، فضرب ال على أذنـى فنمت، فما أيقظني إل حر الشمس. فعدت إلى صاحبي‬
     ‫فسألني، فأخبرته، ثم قلت ليلة أخرى مثل ذلك، ودخلت بمكة فأصابني مثل أول ليلة... ثم ما هممت بسوء(.‬
‫وروى البخاري عن جابر بن عبد ال قال: لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى ال عليه وسلم وعباس ينقلن الحجارة،‬
   ‫فقال عباس للنبي صلى ال عليه وسلم: اجعل إزارك على رقبتك يقيقك من الحجارة، فخر إلى الرض وطمحت عيناه‬
                ‫إلى السماء ثم أفاق، فقال: )إزاري، إزاري( فشد عليه إزاره. وفي رواية: فما رؤيت له عورة بعد ذلك.‬
‫وكان النبي صلى ال عليه وسلم يمتاز في قومه بخلل عذبة وأخلق فاضلة، وشمائل كريمة، فكان أفضل قومه مروءة،‬
‫وأحسنهم خل ًا، وأعزهم جوا ًا، وأعظمهم حل ًا، وأصدقهم حدي ًا، وألينهم َ ِيكة، وأعفهم نف ًا وأكرمهم خي ًا، وأبرهم‬
         ‫ر‬             ‫س‬               ‫عر‬            ‫ث‬               ‫م‬              ‫ر‬              ‫ق‬
  ‫عم ً، وأوفاهم عه ًا، وآمنهم أمانة حتى سماه قومه: ]المين[ لما جمع فيه من الحوال الصالحة والخصال المرضية،‬
                                                                                             ‫د‬              ‫ل‬
   ‫وكان كما قالت أم المؤمنين خديجة رضي ال عنها يحمل الكل، ويكسب المعدوم، ويقرى الضيف، ويعين على نوائب‬
                                                                                                           ‫الحق.‬
‫النبــوة والدعــوة - العهـد المكـي‬
     ‫تنقسم حياة رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد أن شرفه ال بالنبوة‬
      ‫والرسالة إلى عهدين يمتاز أحدهما عن الخـر تمـام المتياز، وهما:‬
                               ‫1 ـ العهد المكي، ثلث عشرة سنة تقري ًا.‬
                                 ‫ب‬
                                    ‫2 ـ العهد المدني، عشر سنوات كاملة.‬
  ‫ثم يشتمل كل من العهدين على عدة مراحل، لكل مرحلة منها خصائص‬
 ‫تمتاز بها عن غيرها، يظهر ذلك جل ًا بعد النظر الدقيق في الظروف التي‬
                                      ‫ي‬
                                           ‫مرت بها الدعوة خلل العهدين.‬
                             ‫ويمكن تقسيم العهد المكي إلى ثلث مراحل:‬
                                ‫1 ـ مرحلة الدعوة السرية، ثلث سنوات.‬
‫2 ـ مرحلة إعلن الدعوة في أهل مكة، من بداية السنة الرابعة من النبوة‬
                            ‫إلى هجرته صلى ال عليه وسلم إلى المدينة.‬
  ‫3 ـ مرحلة الدعوة خارج مكة وفشوها فيهم، من أواخر السنة العاشرة‬
     ‫من النبوة. وقد شملت العهد المدني وامتدت إلى آخر حياته صلى ال‬
                                                           ‫عليه وسلم.‬
                 ‫أما مراحل العهد المدني فسيجيء تفصيلها في موضعه.‬
‫في ظلل النبوة والرسالة‬

                                          ‫في غار حراء‬
‫لما تقاربت سنه صلى ال عليه وسلم الربعين، وكانت تأملته‬
  ‫الماضية قد وسعت الشقة العقلية بينه وبين قومه، حبب إليه‬
‫الخلء، فكان يأخذ ال ّ ِيق والماء، ويذهب إلى غار حراء في‬
                                    ‫سو‬
   ‫جبل النور على مبعدة نحو ميلين من مكة ـ وهو غار لطيف‬
‫طوله أربعة أذرع، وعرضه ذراع وثلثة أرباع ذراع من ذراع‬
    ‫الحديد ـ فيقيم فيه شهر رمضان، ويقضي وقته في العبادة‬
 ‫والتفكير فيما حوله من مشاهد الكون وفيما وراءها من قدرة‬
    ‫مبدعة، وهو غير مطمئن لما عليه قومه من عقائد الشرك‬
     ‫المهلهلة وتصوراتها الواهية، ولكن ليس بين يديه طريق‬
         ‫واضح، ول منهج محدد، ول طريق قاصد يطمئن إليه‬
                                                ‫ويرضاه.‬
‫جبريل ينزل بالوحي‬
     ‫عائشة الصديقة رضي ال عنها تروى لنا قصة هذه الوقعة التي كانت نقطة بداية النبوة، وأخذت تفتح دياجير‬
                   ‫ظلمات الكفر والضلل حتى غيرت مجرى الحياة، وعدلت خط التاريخ، قالت عائشة رضي ال عنها.‬
‫أول ما بديء به رسول ال صلى ال عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان ل يرى رؤيا إل جاءت‬
  ‫مثل َ َق الصبح، ثم ُ ّ َ إليه الخلء، وكان يخلو بغار حراء، ف َ َ َ ّث فيه ـ وهو التعبد ـ الليالي ذوات العدد قبل‬
                                                          ‫يت حن‬                                            ‫حبب‬                ‫فل‬
 ‫أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه‬
   ‫الملك فقال: اقرأ: قال: )ما أنا بقارئ(، قال: )فأخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلنى، فقال: اقرأ، قلت:‬
    ‫مـا أنـا بقـارئ، قـال: فأخذنى فغطنى الثانية حتى بلـغ منـى الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ،‬
   ‫فأخذني فغطني الثالثة، ثـم أرسلـني فـقـال: }اقْ َأْ ِاسْ ِ َ ّ َ اّ ِي َ َ َ َ َ َ ا ِن َا َ ِنْ َ َ ٍ اقْ َأْ َ َ ّ َ ا َكْ َ ُ{‬
    ‫ر ب م ربك لذ خلق خلق لْ س ن م علق ر وربك لْ رم‬
     ‫]العلق:1: 3[(، فرجع بها رسول ال صلى ال عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد فقال:‬
        ‫) َ ُّونى زملونى(، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة: )ما لي؟( فأخبرها الخبر، )لقد خشيت على‬                          ‫زمل‬
     ‫نفسي(، فقالت خديجة: كل، وال ما يخزيك ال أب ًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى‬
                                                                              ‫د‬
 ‫الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل ابن أسد بن عبد العزى ابن عم‬
                                                                                                                             ‫خديجة‬
‫جبريل ينزل بالوحي‬
    ‫ـ وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبرانى، فيكتب من النجيل بالعبرانية ما شاء ال أن‬
‫يكتب، وكان شي ًا كبي ًا قد عمي ـ فقالت له خديجة: يابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يابن أخي،‬
                                                                                ‫خ ر‬
  ‫ماذا ترى؟ فأخبره رسول ال صلى ال عليه وسلم خبر ما رأي، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزله ال‬
   ‫على موسى، يا ليتني فيها َ َعا، ليتنى أكون ح ًا إذ يخرجك قومك، فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم:‬
                                                        ‫ي‬                 ‫جذ‬
    ‫)أو مخرج ّ هم؟( قال:نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إل ُو ِ َ، وإن يدركنى يومك أنصرك نص ًا‬
     ‫ر‬                              ‫ع دى‬                                                    ‫ي‬
                                                       ‫مؤز ًا، ثم لم َنْ َبْ ورقة أن توفي، و َ َر الوحى.‬
                                                                ‫فت‬                   ‫يش‬            ‫ر‬
                                                                                           ‫جبريل ينزل بالوحي مرة ثانية‬
    ‫قال ابن حجر: وكان ذلك ]أي انقطاع الوحي أيا ًا[؛ ليذهب ما كان صلى ال عليه وسلم وجده من الروع،‬
                                                                              ‫م‬
  ‫وليحصل له التشوف إلى العود، فلما حصل له ذلك وأخذ يرتقب مجىء الوحى أكرمه ال بالوحي مرة ثانية.‬
                                                                                                           ‫قال: صلى ال عليه وسلم:‬
  ‫)جاورت بحراء شه ًا فلما قضيت جوارى هبطت ]فلما استبطنت الوادي[ فنوديت، فنظرت عن يميني فلم أر‬                     ‫ر‬
  ‫شي ًا، ونظرت عن شمالي فلم أر شي ًا، ونظرت أمامي فلم أر شيئا، ونظرت خلفي فلم أرشي ًا، فرفعت رأسى‬
                   ‫ئ‬                                                                            ‫ئ‬                                 ‫ئ‬
  ‫فرأيت شي ًا، ]فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والرض، َ ُ ِثْ ُ منه رع ًا حتى‬
        ‫ب‬         ‫ف جئ ت‬                                                                                                    ‫ئ‬
‫هويت إلى الرض[ فأتيت خديجة فقلت: ]زملوني، زملوني[، دثرونى، وصبوا على ماء بار ًا(، قال: )فدثرونى‬
                  ‫د‬
‫وصبوا على ماء بار ًا، فنزلت: } َا َ ّ َا الْ ُ ّ ّ ُ ُمْ َ َن ِرْ َ َ ّ َ َ َ ّرْ َ ِ َا َ َ َ َ ّرْ َال ّجْ َ َاهْ ُرْ{ ]المدثر: 1:‬
               ‫ي أيه مدثر ق فأ ذ وربك فكب وثي بك فطه و ر ز ف ج‬                                                   ‫د‬
‫  أقسام الوحى‬
                                ‫بيان أقسام الوحى ومراتبه. قال ابن القيم، وهو يذكر تلك المراتب:‬
                                           ‫إحداها: الرؤيا الصادقة، وكانت مبدأ وحيه صلى ال عليه وسلم.‬
  ‫الثانية: ما كان يلقيه الملك في روعه وقلبه من غير أن يراه، كما قال النبي صلى ال عليه وسلم: )إن روح‬
   ‫القدس نفث في روعى أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا ال وأجملوا في الطلب، ول يحملنكم‬
                           ‫استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية ال ، فإن ما عند ال ل ينال إل بطاعته(.‬
      ‫الثالثة: إنه صلى ال عليه وسلم كان يتمثل له الملك رج ً فيخاطبه حتى َ ِ َ عنه ما يقول له، وفي هذه‬
                                ‫يع ى‬              ‫ل‬
                                                                       ‫المرتبة كان يراه الصحابة أحيا ًا.‬
                                                                         ‫ن‬
  ‫الرابعة: أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس، وكان أشده عليه، فيلتبس به الملك، حتى أن جبينه لي َ َ ّد‬
   ‫ت فص‬
    ‫عر ًا في اليوم الشديد البرد، وحتى أن راحلته لتبرك به إلى الرض إذا كان راكبها، ولقد جاء الوحى مرة‬‫ق‬
                                        ‫كذلك وفخذه على فخذ زيد بن ثابت، فثقلت عليه حتى كادت ترضها.‬
‫الخامسة: إنه يرى الملك في صورته التي خلق عليها، فيوحى إليه ما شاء ال أن يوحيه، وهذا وقع له مرتين‬
                                                                       ‫كما ذكر ال ذلك في سورة النجم.‬
                     ‫السادسة: ما أوحاه ال إليه، وهو فوق السموات ليلة المعراج من فرض الصلة وغيرها.‬
 ‫السابعة: كلم ال له منه إليه بل واسطة ملك كما كلم ال موسى بن عمران، وهذه المرتبة هي ثابتة لموسى‬
                               ‫قط ًا بنص القرآن. وثبوتها لنبينا صلى ال عليه وسلم هو في حديث السراء.‬ ‫ع‬
        ‫وقـد زاد بعضهم مرتبة ثامنة؛ وهي تكليم ال له كفا ًا من غير حجاب، وهي مسألة خلف بين السلف‬
                                                     ‫ح‬
                                                                                                ‫والخلف.‬
‫المرحلة الولى: من جهاد الدعوة إلي ا‬

                                                              ‫ثلث سنوات من الدعوة السرية‬
‫قام رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد نزول ما تقدم من آيات سورة المدثر، بالدعوة إلى ال سبحانه‬
‫وتعالى؛ وحيث إن قومه كانوا جفاة ل دين لهم إل عبادة الصنام والوثان، ول حجة لهم إل أنهم ألفوا‬
   ‫آباءهم على ذلك، ول أخلق لهم إل الخذ بالعزة والنفة، ول سبيل لهم في حل المشاكل إل السيف،‬
 ‫وكانوا مع ذلك متصدرين للزعامة الدينية في جزيرة العرب، ومحتلين مركزها الرئيس، ضامنين حفظ‬
  ‫كيانها، فقد كان من الحكمة تلقاء ذلك أن تكون الدعوة في بدء أمرها سرية؛ لئل يفاجئ أهل مكة بما‬
                                                                                    ‫يهيجهم.‬
‫الرعيل الول‬

       ‫وكان من الطبيعى أن يعرض الرسول صلى ال عليه وسلم السلم أو ً على ألصق الناس به من أهل بيته،‬
                                      ‫ل‬
    ‫وأصدقائه، فدعاهم إلى السلم، ودعا إليه كل من توسم فيه الخير ممن يعرفهم ويعرفونه، يعرفهم بحب الحق‬
    ‫والخير، ويعرفونه بتحرى الصدق والصلح، فأجابه من هؤلء ـ الذين لم تخالجهم ريبة قط في عظمة الرسول‬
      ‫صلى ال عليه وسلم وجللة نفسه وصدق خبره ـ َمْ ٌ ُ ِفوا في التاريخ السلمى بالسابقين الولين، وفي‬
                                                 ‫ج ع عر‬
   ‫مقدمتهم زوجة النبي صلى ال عليه وسلم أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، وموله زيد بن‬
 ‫حارثة بن شراحيل الكلبي وابن عمه علي بن أبي طالب ـ وكان صب ًا يعيش في كفالة‬
                  ‫ي‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم ـ وصديقه الحميم أبو بكر الصديق. أسلم هؤلء في أول يوم الدعوة.‬
 ‫ثم نشط أبو بكر في الدعوة إلى السلم، وكان رج ً مأل ًا محب ًا سه ً ذا خلق ومعروف،وكان رجال قومه يأتونه‬
                                        ‫ل‬     ‫ب‬     ‫ل ف‬
     ‫ويألفونه؛ لعلمه وتجارته وحسن مجالسته، فجعل يدعو من يثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم‬
 ‫بدعوته عثمان بن عفان الموى، والزبير بن العوام السدى، وعبد الرحمن بن‬
 ‫عوف، وسعد بن أبي وقاص الزهريان، وطلحة بن عبيد ا التيمي. فكان هؤلء‬
                                          ‫النفر الثمانية الذين سبقوا الناس هم الرعيل الول وطليعة السلم.‬
‫الرعيل الول‬

   ‫ثم تل هؤلء أمين هذه المة أبو عبيدة عامر بن الجراح من بني الحارث بن فهر، وأبو سلمة بن عبد السد‬
  ‫المخزومى، وامرأته أم سلمة، والرقم بن أبي الرقم المخزومى، وعثمان بن مظعون ال ُ َ ِ ّ وأخواه قدامة‬
                   ‫جمحى‬
        ‫وعبد ال ، وعبيدة بن الحارث ابن المطلب بن عبد مناف، وسعيد بن زيد العدوى، وامرأته فاطمة بنت‬
 ‫الخطاب العدوية أخت عمر بن الخطاب، وخباب بن الرت التميمى، وجعفر بن أبي طالب، وامرأته أسماء بنت‬
    ‫ُ َيْس، وخالد بن سعيد بن العاص الموى، وامرأته أمينة بنت خلف، ثم أخوه عمرو بن سعيد بن العاص،‬     ‫عم‬
     ‫وحاطب بن الحارث الجمحي، وامرأته فاطمة بنت ال ُ َّل وأخوه الخطاب بن الحارث، وامرأته ُ َيْ َة بنت‬
           ‫فك ه‬                                     ‫مجل‬
‫يسار، وأخوه معمر ابن الحارث، والمطلب بن أزهر الزهري، وامرأته رملة بنت أبي عوف، ونعيم بن عبد ال‬
                                 ‫بن النحام العدوي، وهؤلء كلهم قرشيون من بطون وأفخاذ شتى من قريش.‬
    ‫ومن السابقين الولين إلى السلم من غير قريش: عبد ال بن مسعود الهذلي، ومسعود بن ربيعة القاري،‬
  ‫وعبد ال بن جحش السدي وأخوه أبو أحمد بن جحش، وبلل بن رباح الحبشي، ُ َيْب بن ِنان الرومي،‬
                 ‫س‬       ‫صه‬
                                       ‫وعمار بن ياسر العنسي، وأبوه ياسر، وأمه سمية، وعامر بن ُهيرة.‬
                                            ‫ف‬
‫وممن سبق إلى السلم من النساء غير من تقدم ذكرهن: أم أيمن بركة الحبشية، وأم الفضل لبابة الكبرى بنت‬
                 ‫الحارث الهللية زوج العباس بن عبد المطلب، وأسماء بنت أبي بكر الصديق رضي ال عنهما.‬
    ‫هؤلء معروفون بالسابقين الولين، ويظهر بعد التتبع والستقراء أن عدد الموصوفين بالسبق إلى السلم‬
    ‫وصل إلى مائة وثلثين رج ً وامرأة، ولكن ل يعرف بالضبط أنهم كلهم أسلموا قبل الجهر بالدعوة أو تأخر‬
                                                                              ‫ل‬
                                                                             ‫إسلم بعضهم إلى الجهر بها.‬
  ‫الجزء الثاني – الدعوة الجهرية‬

Mais conteúdo relacionado

Mais procurados

التقوى
التقوىالتقوى
التقوىalheweny
 
عرض طرق التدريس والاستراتيجيات
عرض طرق التدريس والاستراتيجياتعرض طرق التدريس والاستراتيجيات
عرض طرق التدريس والاستراتيجياتsamiaaldarwish
 
الممنوع من الصرف
الممنوع من الصرفالممنوع من الصرف
الممنوع من الصرفiium
 
سورة البقرة
سورة البقرةسورة البقرة
سورة البقرةreemmoon
 
مهارات الكتابة وأنواعها
 مهارات الكتابة وأنواعها مهارات الكتابة وأنواعها
مهارات الكتابة وأنواعهاسليمان داود
 
الروض الماتع في شرح أصول ورش عن نافع
الروض الماتع في شرح أصول ورش عن نافع الروض الماتع في شرح أصول ورش عن نافع
الروض الماتع في شرح أصول ورش عن نافع سمير بسيوني
 
عرض تقديمي صعوبات التعلم
عرض تقديمي صعوبات التعلمعرض تقديمي صعوبات التعلم
عرض تقديمي صعوبات التعلمmaalifaisal
 
عرض تحليل الاحتياجات Conducting needs analysis
عرض تحليل الاحتياجات Conducting needs analysisعرض تحليل الاحتياجات Conducting needs analysis
عرض تحليل الاحتياجات Conducting needs analysissarahalgh
 
صحه نفسيه 2
صحه نفسيه 2صحه نفسيه 2
صحه نفسيه 2iecs-ra
 
مهارات الاتصال الفعال
مهارات الاتصال الفعالمهارات الاتصال الفعال
مهارات الاتصال الفعالAhmad Abdullah
 
العلاقات الاجتماعية
العلاقات الاجتماعيةالعلاقات الاجتماعية
العلاقات الاجتماعيةMarwaBadr11
 
بيئة التعلم و الأنشطة التعليمية
بيئة التعلم و الأنشطة التعليميةبيئة التعلم و الأنشطة التعليمية
بيئة التعلم و الأنشطة التعليميةامل العايد
 
مهارة عرض الدرس
مهارة عرض الدرسمهارة عرض الدرس
مهارة عرض الدرسAhmed EL-Mabaredy
 
مراحل نمو الانسان روعة جدا
مراحل نمو الانسان   روعة جدامراحل نمو الانسان   روعة جدا
مراحل نمو الانسان روعة جداamr hassaan
 
نظرية أوزبل (1)
نظرية أوزبل (1)نظرية أوزبل (1)
نظرية أوزبل (1)maromgd
 
السيطرة على ا لغضب
السيطرة على ا لغضبالسيطرة على ا لغضب
السيطرة على ا لغضبNazek Al-Asfoor
 
شرح برنامج Word 2010
شرح برنامج Word 2010شرح برنامج Word 2010
شرح برنامج Word 2010Hanaa Ahmed
 

Mais procurados (20)

التقوى
التقوىالتقوى
التقوى
 
المهارات الاساسية لسوق العمل
المهارات الاساسية لسوق العملالمهارات الاساسية لسوق العمل
المهارات الاساسية لسوق العمل
 
عرض طرق التدريس والاستراتيجيات
عرض طرق التدريس والاستراتيجياتعرض طرق التدريس والاستراتيجيات
عرض طرق التدريس والاستراتيجيات
 
الممنوع من الصرف
الممنوع من الصرفالممنوع من الصرف
الممنوع من الصرف
 
سورة البقرة
سورة البقرةسورة البقرة
سورة البقرة
 
الرحلة الى الدار الآخرة
الرحلة الى الدار الآخرةالرحلة الى الدار الآخرة
الرحلة الى الدار الآخرة
 
مهارات الكتابة وأنواعها
 مهارات الكتابة وأنواعها مهارات الكتابة وأنواعها
مهارات الكتابة وأنواعها
 
الروض الماتع في شرح أصول ورش عن نافع
الروض الماتع في شرح أصول ورش عن نافع الروض الماتع في شرح أصول ورش عن نافع
الروض الماتع في شرح أصول ورش عن نافع
 
عرض تقديمي صعوبات التعلم
عرض تقديمي صعوبات التعلمعرض تقديمي صعوبات التعلم
عرض تقديمي صعوبات التعلم
 
عرض تحليل الاحتياجات Conducting needs analysis
عرض تحليل الاحتياجات Conducting needs analysisعرض تحليل الاحتياجات Conducting needs analysis
عرض تحليل الاحتياجات Conducting needs analysis
 
صحه نفسيه 2
صحه نفسيه 2صحه نفسيه 2
صحه نفسيه 2
 
مهارات الاتصال الفعال
مهارات الاتصال الفعالمهارات الاتصال الفعال
مهارات الاتصال الفعال
 
العلاقات الاجتماعية
العلاقات الاجتماعيةالعلاقات الاجتماعية
العلاقات الاجتماعية
 
بيئة التعلم و الأنشطة التعليمية
بيئة التعلم و الأنشطة التعليميةبيئة التعلم و الأنشطة التعليمية
بيئة التعلم و الأنشطة التعليمية
 
مهارة عرض الدرس
مهارة عرض الدرسمهارة عرض الدرس
مهارة عرض الدرس
 
مراحل نمو الانسان روعة جدا
مراحل نمو الانسان   روعة جدامراحل نمو الانسان   روعة جدا
مراحل نمو الانسان روعة جدا
 
نظرية أوزبل (1)
نظرية أوزبل (1)نظرية أوزبل (1)
نظرية أوزبل (1)
 
استراتجية التسامح
استراتجية التسامحاستراتجية التسامح
استراتجية التسامح
 
السيطرة على ا لغضب
السيطرة على ا لغضبالسيطرة على ا لغضب
السيطرة على ا لغضب
 
شرح برنامج Word 2010
شرح برنامج Word 2010شرح برنامج Word 2010
شرح برنامج Word 2010
 

Destaque

مختصر السيرة النبوية الشريفة
مختصر السيرة النبوية الشريفةمختصر السيرة النبوية الشريفة
مختصر السيرة النبوية الشريفةadnanjabali
 
السيرة النبوية
السيرة النبويةالسيرة النبوية
السيرة النبويةadnanjabali
 
خذ العفو
خذ العفوخذ العفو
خذ العفوbroog3
 
فكر بغيرك - قصيدة لمحمود درويش
فكر بغيرك - قصيدة لمحمود درويشفكر بغيرك - قصيدة لمحمود درويش
فكر بغيرك - قصيدة لمحمود درويشSami Mekhlafi
 
غزوات الرسول
غزوات الرسولغزوات الرسول
غزوات الرسولdido10_10
 
من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم
من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلممن معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم
من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلمIslam Publishing
 
آيات الله في خلق الانسان
آيات الله في خلق الانسانآيات الله في خلق الانسان
آيات الله في خلق الانسانguest6c4c86
 
سلمان الفارسي
سلمان الفارسيسلمان الفارسي
سلمان الفارسيmustafa002
 
ثواب العمل الصالح
ثواب العمل الصالحثواب العمل الصالح
ثواب العمل الصالحahmad bassiouny
 
الزيتون
الزيتونالزيتون
الزيتون1carmen
 
7osn Al Moslim
7osn  Al  Moslim7osn  Al  Moslim
7osn Al Moslimth4m3r
 
الأدب الجاهلي
الأدب الجاهليالأدب الجاهلي
الأدب الجاهليwasan5
 
من أخلاق الرسول صلى الله عليه و سلم
من أخلاق الرسول صلى الله عليه و سلم من أخلاق الرسول صلى الله عليه و سلم
من أخلاق الرسول صلى الله عليه و سلم غايتي الجنة
 
سنن وآداب من هدي الحبيب صلي الله عليه وسلم
سنن وآداب من هدي الحبيب صلي الله عليه وسلمسنن وآداب من هدي الحبيب صلي الله عليه وسلم
سنن وآداب من هدي الحبيب صلي الله عليه وسلمم . محمد سليم محمد
 
Zakat Base Social Economy In Azad Kashmir
Zakat Base Social Economy In Azad KashmirZakat Base Social Economy In Azad Kashmir
Zakat Base Social Economy In Azad KashmirIftikhar Ahmed
 
أربعون حديثاً قدسياً وأربعون حديثاً في الأذكار
أربعون حديثاً قدسياً وأربعون حديثاً في الأذكارأربعون حديثاً قدسياً وأربعون حديثاً في الأذكار
أربعون حديثاً قدسياً وأربعون حديثاً في الأذكارغايتي الجنة
 
معجزات الرسول
معجزات الرسولمعجزات الرسول
معجزات الرسولahmad bassiouny
 

Destaque (20)

مختصر السيرة النبوية الشريفة
مختصر السيرة النبوية الشريفةمختصر السيرة النبوية الشريفة
مختصر السيرة النبوية الشريفة
 
السيرة النبوية
السيرة النبويةالسيرة النبوية
السيرة النبوية
 
خذ العفو
خذ العفوخذ العفو
خذ العفو
 
فكر بغيرك - قصيدة لمحمود درويش
فكر بغيرك - قصيدة لمحمود درويشفكر بغيرك - قصيدة لمحمود درويش
فكر بغيرك - قصيدة لمحمود درويش
 
غزوات الرسول
غزوات الرسولغزوات الرسول
غزوات الرسول
 
من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم
من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلممن معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم
من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم
 
آيات الله في خلق الانسان
آيات الله في خلق الانسانآيات الله في خلق الانسان
آيات الله في خلق الانسان
 
سلمان الفارسي
سلمان الفارسيسلمان الفارسي
سلمان الفارسي
 
The Christmas Story
The Christmas StoryThe Christmas Story
The Christmas Story
 
BBQ 3302
BBQ 3302BBQ 3302
BBQ 3302
 
ثواب العمل الصالح
ثواب العمل الصالحثواب العمل الصالح
ثواب العمل الصالح
 
الزيتون
الزيتونالزيتون
الزيتون
 
Hapy Women
Hapy WomenHapy Women
Hapy Women
 
7osn Al Moslim
7osn  Al  Moslim7osn  Al  Moslim
7osn Al Moslim
 
الأدب الجاهلي
الأدب الجاهليالأدب الجاهلي
الأدب الجاهلي
 
من أخلاق الرسول صلى الله عليه و سلم
من أخلاق الرسول صلى الله عليه و سلم من أخلاق الرسول صلى الله عليه و سلم
من أخلاق الرسول صلى الله عليه و سلم
 
سنن وآداب من هدي الحبيب صلي الله عليه وسلم
سنن وآداب من هدي الحبيب صلي الله عليه وسلمسنن وآداب من هدي الحبيب صلي الله عليه وسلم
سنن وآداب من هدي الحبيب صلي الله عليه وسلم
 
Zakat Base Social Economy In Azad Kashmir
Zakat Base Social Economy In Azad KashmirZakat Base Social Economy In Azad Kashmir
Zakat Base Social Economy In Azad Kashmir
 
أربعون حديثاً قدسياً وأربعون حديثاً في الأذكار
أربعون حديثاً قدسياً وأربعون حديثاً في الأذكارأربعون حديثاً قدسياً وأربعون حديثاً في الأذكار
أربعون حديثاً قدسياً وأربعون حديثاً في الأذكار
 
معجزات الرسول
معجزات الرسولمعجزات الرسول
معجزات الرسول
 

Semelhante a الـسـيـرة النبـويـة

alibinabitalib-علي بن أبي طالب رضي الله عنه
alibinabitalib-علي بن أبي طالب رضي الله عنهalibinabitalib-علي بن أبي طالب رضي الله عنه
alibinabitalib-علي بن أبي طالب رضي الله عنهF El Mohdar
 
عـلـي إبـن أبـي طـالـب
عـلـي إبـن أبـي طـالـبعـلـي إبـن أبـي طـالـب
عـلـي إبـن أبـي طـالـبHassan Boubakri
 
othmanbenaffan-ذو النورين عثمان بن عفان
 othmanbenaffan-ذو النورين عثمان بن عفان othmanbenaffan-ذو النورين عثمان بن عفان
othmanbenaffan-ذو النورين عثمان بن عفانF El Mohdar
 
Al sirah al-nabawiyah li ibn hisham
Al sirah al-nabawiyah li ibn hishamAl sirah al-nabawiyah li ibn hisham
Al sirah al-nabawiyah li ibn hishamSuhaila Zailani
 
Rangkuman Sejarah Nabi Muhammad by Prof Dr Ustadz Abdul Somad Lc. MA
Rangkuman Sejarah Nabi Muhammad by Prof Dr Ustadz Abdul Somad Lc. MARangkuman Sejarah Nabi Muhammad by Prof Dr Ustadz Abdul Somad Lc. MA
Rangkuman Sejarah Nabi Muhammad by Prof Dr Ustadz Abdul Somad Lc. MAAhmad Taufik
 
احك لطفلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
احك لطفلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلماحك لطفلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
احك لطفلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلمIslamic Invitation
 
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)محاسن الإسلام لمحات من
 
omarbenelkhattab-الفاروق عمر بن الخطاب
omarbenelkhattab-الفاروق عمر بن الخطابomarbenelkhattab-الفاروق عمر بن الخطاب
omarbenelkhattab-الفاروق عمر بن الخطابF El Mohdar
 
العشرة المبشرون بالجنة ـ الجزء الثاني
العشرة المبشرون بالجنة ـ الجزء الثانيالعشرة المبشرون بالجنة ـ الجزء الثاني
العشرة المبشرون بالجنة ـ الجزء الثانيغايتي الجنة
 
عائشة و صفوان
عائشة و صفوانعائشة و صفوان
عائشة و صفوانCrossMuslims
 
الخلفاء الراشدين
الخلفاء الراشدينالخلفاء الراشدين
الخلفاء الراشدينmeeto80
 
مختصر الأغصان الندية من سيرة خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم
مختصر الأغصان الندية من سيرة خير البرية محمد صلى الله عليه وسلممختصر الأغصان الندية من سيرة خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم
مختصر الأغصان الندية من سيرة خير البرية محمد صلى الله عليه وسلمArab Muslim
 
Holy Zamzam water
Holy Zamzam waterHoly Zamzam water
Holy Zamzam waterrabubakar
 
New microsoft word document
New microsoft word documentNew microsoft word document
New microsoft word documentاheba sayed
 

Semelhante a الـسـيـرة النبـويـة (20)

السيرة النبوية
السيرة النبويةالسيرة النبوية
السيرة النبوية
 
alibinabitalib-علي بن أبي طالب رضي الله عنه
alibinabitalib-علي بن أبي طالب رضي الله عنهalibinabitalib-علي بن أبي طالب رضي الله عنه
alibinabitalib-علي بن أبي طالب رضي الله عنه
 
عـلـي إبـن أبـي طـالـب
عـلـي إبـن أبـي طـالـبعـلـي إبـن أبـي طـالـب
عـلـي إبـن أبـي طـالـب
 
 
othmanbenaffan-ذو النورين عثمان بن عفان
 othmanbenaffan-ذو النورين عثمان بن عفان othmanbenaffan-ذو النورين عثمان بن عفان
othmanbenaffan-ذو النورين عثمان بن عفان
 
Mohammed ppuh
Mohammed ppuhMohammed ppuh
Mohammed ppuh
 
Al sirah al-nabawiyah li ibn hisham
Al sirah al-nabawiyah li ibn hishamAl sirah al-nabawiyah li ibn hisham
Al sirah al-nabawiyah li ibn hisham
 
Rangkuman Sejarah Nabi Muhammad by Prof Dr Ustadz Abdul Somad Lc. MA
Rangkuman Sejarah Nabi Muhammad by Prof Dr Ustadz Abdul Somad Lc. MARangkuman Sejarah Nabi Muhammad by Prof Dr Ustadz Abdul Somad Lc. MA
Rangkuman Sejarah Nabi Muhammad by Prof Dr Ustadz Abdul Somad Lc. MA
 
احك لطفلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
احك لطفلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلماحك لطفلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
احك لطفلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
 
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
مختصر كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية)
 
أحسن وأصح سيرة لرسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم
أحسن وأصح سيرة لرسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلمأحسن وأصح سيرة لرسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم
أحسن وأصح سيرة لرسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم
 
omarbenelkhattab-الفاروق عمر بن الخطاب
omarbenelkhattab-الفاروق عمر بن الخطابomarbenelkhattab-الفاروق عمر بن الخطاب
omarbenelkhattab-الفاروق عمر بن الخطاب
 
العشرة المبشرون بالجنة ـ الجزء الثاني
العشرة المبشرون بالجنة ـ الجزء الثانيالعشرة المبشرون بالجنة ـ الجزء الثاني
العشرة المبشرون بالجنة ـ الجزء الثاني
 
المبشرون 1ج
المبشرون 1ج المبشرون 1ج
المبشرون 1ج
 
عائشة و صفوان
عائشة و صفوانعائشة و صفوان
عائشة و صفوان
 
الخلفاء الراشدين
الخلفاء الراشدينالخلفاء الراشدين
الخلفاء الراشدين
 
مختصر الأغصان الندية من سيرة خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم
مختصر الأغصان الندية من سيرة خير البرية محمد صلى الله عليه وسلممختصر الأغصان الندية من سيرة خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم
مختصر الأغصان الندية من سيرة خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم
 
Zamzam water
Zamzam waterZamzam water
Zamzam water
 
Holy Zamzam water
Holy Zamzam waterHoly Zamzam water
Holy Zamzam water
 
New microsoft word document
New microsoft word documentNew microsoft word document
New microsoft word document
 

Mais de Hassan Boubakri

سـيـرة المـصـطفـى
سـيـرة المـصـطفـى سـيـرة المـصـطفـى
سـيـرة المـصـطفـى Hassan Boubakri
 
عـثـمـان إبـن عـفـان
عـثـمـان إبـن عـفـانعـثـمـان إبـن عـفـان
عـثـمـان إبـن عـفـانHassan Boubakri
 
المبشرون بالجنــة
المبشرون بالجنــةالمبشرون بالجنــة
المبشرون بالجنــةHassan Boubakri
 
الـكـلـمـة الـطـيـبـة
الـكـلـمـة الـطـيـبـةالـكـلـمـة الـطـيـبـة
الـكـلـمـة الـطـيـبـةHassan Boubakri
 
الـفـاروق عـمـر
الـفـاروق عـمـرالـفـاروق عـمـر
الـفـاروق عـمـرHassan Boubakri
 
1356209 634668906085350000
1356209 6346689060853500001356209 634668906085350000
1356209 634668906085350000Hassan Boubakri
 
هـذا هـو مـحـمـد
هـذا هـو مـحـمـدهـذا هـو مـحـمـد
هـذا هـو مـحـمـدHassan Boubakri
 
عـثـمـان إبـن عـفـان
عـثـمـان إبـن عـفـانعـثـمـان إبـن عـفـان
عـثـمـان إبـن عـفـانHassan Boubakri
 
علـى خـطـى الحبيب
علـى خـطـى الحبيب علـى خـطـى الحبيب
علـى خـطـى الحبيب Hassan Boubakri
 
من أخلاق النبي المصطفى
من أخلاق النبي المصطفىمن أخلاق النبي المصطفى
من أخلاق النبي المصطفىHassan Boubakri
 
1356234 634668914482537500
1356234 6346689144825375001356234 634668914482537500
1356234 634668914482537500Hassan Boubakri
 
وصـايـا الرسـول / خطبة الـــوداع
وصـايـا الرسـول / خطبة الـــوداعوصـايـا الرسـول / خطبة الـــوداع
وصـايـا الرسـول / خطبة الـــوداعHassan Boubakri
 

Mais de Hassan Boubakri (14)

سـيـرة المـصـطفـى
سـيـرة المـصـطفـى سـيـرة المـصـطفـى
سـيـرة المـصـطفـى
 
عـثـمـان إبـن عـفـان
عـثـمـان إبـن عـفـانعـثـمـان إبـن عـفـان
عـثـمـان إبـن عـفـان
 
 
المبشرون بالجنــة
المبشرون بالجنــةالمبشرون بالجنــة
المبشرون بالجنــة
 
الـكـلـمـة الـطـيـبـة
الـكـلـمـة الـطـيـبـةالـكـلـمـة الـطـيـبـة
الـكـلـمـة الـطـيـبـة
 
الـفـاروق عـمـر
الـفـاروق عـمـرالـفـاروق عـمـر
الـفـاروق عـمـر
 
1356209 634668906085350000
1356209 6346689060853500001356209 634668906085350000
1356209 634668906085350000
 
هـذا هـو مـحـمـد
هـذا هـو مـحـمـدهـذا هـو مـحـمـد
هـذا هـو مـحـمـد
 
عـثـمـان إبـن عـفـان
عـثـمـان إبـن عـفـانعـثـمـان إبـن عـفـان
عـثـمـان إبـن عـفـان
 
علـى خـطـى الحبيب
علـى خـطـى الحبيب علـى خـطـى الحبيب
علـى خـطـى الحبيب
 
من أخلاق النبي المصطفى
من أخلاق النبي المصطفىمن أخلاق النبي المصطفى
من أخلاق النبي المصطفى
 
1356234 634668914482537500
1356234 6346689144825375001356234 634668914482537500
1356234 634668914482537500
 
وصـايـا الرسـول / خطبة الـــوداع
وصـايـا الرسـول / خطبة الـــوداعوصـايـا الرسـول / خطبة الـــوداع
وصـايـا الرسـول / خطبة الـــوداع
 
نصيحـة
نصيحـةنصيحـة
نصيحـة
 

الـسـيـرة النبـويـة

  • 2. ‫• تعريف السيرة وأهميتها‬ ‫• حياته صلى ال عليه وسلم من مولده إلى بعثته‬ ‫• المرحلة المكية‬ ‫• المرحلة المدنية‬ ‫• فترة الهدنة مع المشركين )6هـ - 8هـ(‬ ‫• فتح مكـة‬ ‫• فترة دخول الناس في دين ال أفواجا )8هـ - 11هـ(‬ ‫• وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم‬ ‫• شمائله صلى ال عليه وسلم‬
  • 4. ‫• - السيرة لغة :‬ ‫• تعني ال ّنة والطريقة، والحالة التي يكون‬ ‫س‬ ‫عليها النسان وغيره. ُقال فلن له سيرة‬ ‫ي‬ ‫حسنة، وقال تعالى: )سنعيدها سيرتها‬ ‫الولى( )طه:12(.‬ ‫- السيرة اصطل ح ًا:‬ ‫•‬ ‫السيرة اصطل ًا تعني قصة الحياة وتاريخها،‬ ‫ح‬ ‫•‬ ‫وكتبها تس ّى: كتب السير، ُقال قرأت سيرة‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫فلن: أي تاريخ حياته. والسيرة النبوية تعني‬ ‫مجموع ما ورد لنا من وقائع حياة النبي صلى‬ ‫ال عليه وسلم وصفاته ال ُلقية وال َلقية، مضافا‬ ‫خ‬ ‫خ‬ ‫إليها غزواته وسراياه صلى ال عليه وسلم.‬
  • 5. ‫1- السيرة النبوية هي السبيل إلى فهم شخصية الرسول صلى ال عليه وسلم، من خلل‬ ‫حياته وظروفه التي عاش فيها، للتأكد من أنه صلى ال عليه وسلم لم يكن مجرد عبقري‬ ‫سمت به عبقريته، ولكنه قبل ذلك رسول أيده ال بوحي من عنده.‬ ‫2- تجعل السيرة النبوية بين يدي النسان صورة للمثل العلى في كل شأن من شؤون‬ ‫الحياة الفاضلة، يتمسك به ويحذو حذوه، فقد جعل ال تعالى الرسول محم ًا صلى ال عليه‬ ‫د‬ ‫وسلم قدوة للنسانية كلها، حيث قال سبحانه: )لقد كان لكم في رسول ال أسوة حسنة لمن‬ ‫كان يرجو ال واليوم الخر( )الحزاب:12(.‬ ‫3- السيرة النبوية تعين على فهم كتاب ال وتذوق روحه ومقاصده، فكثير من آيات القرآن‬ ‫الكريم إنما تفسرها وتجليها الحداث التي مرت برسول ال صلى ال عليه وسلم.‬ ‫4- السيرة النبوية صورة مجسدة نيرة لمجموع مبادئ السلم وأحكامه، فهي تك ّن لدى‬ ‫و‬ ‫دارسها أكبر قدر من الثقافة والمعارف السلمية، سواء ما كان منها متعل ًا بالعقيدة أو‬ ‫ق‬ ‫الحكام أو الخلق.‬
  • 6.
  • 7. ‫ن َ س َ ب ُه صلى ا عليه وسلم:‬ ‫الرسول صلى ال عليه وسلم هو:‬ ‫) محمــد بن عبد ا بن عبد المطلب بن هاشــم ابن عبد مناف بن قصي‬ ‫بن كلب بن م ُرة بن كعب بن ل ُ ؤ َ ي ّ بن غالب بن ف ِهر بن مالك ابن ال ن ّضر‬ ‫بن ك ِنانة بن خ ُزيمة بن م ُدركة بن إلياس بن م ُضر بن نزار بن معد بن‬ ‫عدنان( )رواه البخاري( وعدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلم.‬ ‫وأبوه: عبد ال بن عبد المطلب، كان أجمل قريش )قبيلة قريش( وأحب شبابها إليها، عاش طاه ًا كري ًا حتى‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫تزوج بآمنة بنت وهب أم الرسول صلى ال عليه وسلم.‬ ‫وأ م ّه: آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلب، وزهرة هو أخو قصي بن كلب جد الرسول صلى ال‬ ‫عليه وسلم، وكان أبوها سيد بني زهرة.‬ ‫وج د ّه: عبد المطلب بن هاشم، هو سيد قبيلة قريش، أعطته رياستها لخصاله الوافرة، وقوة إرادته، وعزيمته‬ ‫على فعل الخير لكل الناس، وقد اشتهر بحفر بئر )زمزم( التي تسقي الناس بمكة المكرمة إلى يومنا هذا.‬
  • 8. ‫وسلم:‬ ‫مولده صلى ا عليه‬ ‫ولـد سيـد المرسلـين صلى ال عليه وسلم بشـعب بني هاشـم بمكـة في صبيحـة يــوم الثنين مـن شـهر ربيـع الول،‬ ‫ولكن اليوم لم يثيت تحديدا في الحاديث الصحيحة و العـام هو عام الفيـل ، ولربعـين سنة خلت من ملك‬ ‫كسرى أنو شروان، ويوافق ذلك سنة 175 م حسبما حققه العالم الكبير محمد سليمان ـ المنصور فورى ـ رحمه ال‬ ‫وروى ابــن سعــد أن أم رســول ال صلى ال عليه وسلم قالــت : لمــا ولـدتــه خــرج مــن فرجـى نــور أضــاءت‬ ‫لـه قصـور الشام. وروى أحمد والدارمى وغيرهمـا قريبًا مـن ذلك.‬ ‫ـ‬ ‫وقد روى أن إرهاصات بالبعثة وقعت عند الميلد، فسقطت أربع عشرة شرفة من إيوان كسرى، وخمدت النار التي‬ ‫يعبدها المجوس، وانهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة بعد أن غاضت، روى ذلك الطبرى والبيهقى وغيرهما. وليس‬ ‫له إسناد ثابت، ولم يشهد له تاريخ تلك المم مع قوة دواعى التسجيل.‬ ‫ولما ولدته أمه أرسلت إلى جده عبد المطلب تبشره بحفيده،فجاء مستبش ًا ودخل به الكعبة، ودعا ال وشكر له.‬ ‫ر‬ ‫واختار له اسم محمد ـ وهذا السم لم يكن معرو ًا في العرب ـ و َ َ َه يوم سابعه كما كان العرب يفعلون.‬ ‫ختن‬ ‫ف‬ ‫وأول من أرضعته من المراضع ـ وذلك بعد أمه صلى ال عليه وسلم بأسبوع ـ ُ َيْ َة مولة أبي لهب بلبن ابن لها‬ ‫ثو ب‬ ‫يقال له: َسْ ُوح، وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد السد المخزومي.‬ ‫م ر‬
  • 9. ‫وكانت العادة عند الحاضرين من العرب أن يلتمسوا المراضع لولدهم ابتعا ًا لهم عن أمراض الحواضر؛‬ ‫د‬ ‫ولتقوى أجسامهم، وتشتد أعصابهم، ويتقنوا اللسان العربى في مهدهم، فالتمس عبد المطلب لرسول ال صلى‬ ‫ال عليه وسلم المراضع، واسترضع له امرأة من بني سعد بن بكر، وهي حليمة بنت أبي ذؤيب عبد ال بن‬ ‫الحارث، وزوجها الحارث ابن عبد العزى المكنى بأبي كبشة من نفس القبيلة.‬ ‫وإخوته صلى ال عليه وسلم هناك من الرضاعة : عبد ال بن الحارث، وأنيسة بنت الحارث، وحذافة أو‬ ‫جذامة بنت الحارث ]وهي الشيماء؛ لقب غلب على اسمها[ وكانت تحضن رسول ال صلى ال عليه وسلم،‬ ‫وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم رسول ال صلى ال عليه وسلم وكان عمه حمزة بن عبد‬ ‫المطلب مسترض ًا في بني سعد بن بكر، فأرضعت أمه رسول ال صلى ال عليه وسلم يو ًا وهو عند أمه‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫حليمة،فكان حمزة رضيع رسول ال صلى ال عليه وسلم من جهتين، من جهة ثويبة ومن جهة السعدية.‬ ‫ورأت حليمة من بركته صلى ال عليه وسلم ما قضت منه العجب‬
  • 10. ‫شق الصدر‬ ‫وهكذا رجع رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى بني سعد، حتى إذا كان بعده بأشهر على قول ابن إسحاق،‬ ‫وفي السنة الرابعة من مولده على قول المحققين وقع حادث شق صدره، روى مسلم عن أنس: أن رسول‬ ‫ال صلى ال عليه وسلم أتاه جبريل، وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج‬ ‫القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في َسْت من ذهب بماء زمزم، ثم‬ ‫ط‬ ‫َ َه ـ أي جمعه وضم بعضه إلى بعض ـ ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه ـ يعنى ظئره ـ‬ ‫لم‬ ‫فقالوا: إن محم ًا قد قتل، فاستقبلوه وهو ُنْ َ ِ ُ اللون ـ أي متغير اللون ـ قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك‬ ‫م تقع‬ ‫د‬ ‫المخيط في صدره.‬
  • 11. ‫إلى أمه الحنون‬ ‫وخشيت عليه حليمة بعد هذه الوقعة حتى ردته إلى أمه، فكان عند أمه إلى أن بلغ ست سنين.‬ ‫ورأت آمنة ـ وفاء لذكرى زوجها الراحل ـ أن تزور قبره بيثرب، فخرجت من مكة قاطعة رحلة تبلغ نحو‬ ‫خمسمائة كيلو متر ومعها ولدها اليتيم ـ محمد صلى ال عليه وسلم ـ وخادمتها أم أيمن، وقيمها عبد المطلب،‬ ‫فمكثت شه ًا ثم قفلت، وبينما هي راجعة إذ لحقها المرض في أوائل الطريق، ثم اشتد حتى ماتت بالبْ َاء بين‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫مكة والمدينة.‬ ‫إلى جده العطوف‬ ‫وعاد به عبد المطلب إلى مكة، وكانت مشاعر الحنو في فؤاده تربو نحو حفيده اليتيم الذي أصيب بمصاب‬ ‫جديد َ َأ الجروح القديمة، َ َ ّ عليه رقة لم يرقها على أحد من أولده، فكان ل يدعه لوحدته المفروضة، بل‬ ‫فر ق‬ ‫نك‬ ‫يؤثره على أولده، قال ابن هشام: كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة، فكان بنوه يجلسون حول‬ ‫فراشه ذلك حتى يخرج إليه، ل يجلس عليه أحد من بنيه إجل ً له، فكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يأتى‬ ‫ل‬ ‫وهو غلم جفر حتى يجلس عليه، فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه، فيقول عبد المطلب إذا رأي ذلك منهم: دعوا‬ ‫ابني هذا، فوال إن له لشأ ًا، ثم يجلس معه على فراشه، ويمسح ظهره بيده، ويسره ما يراه يصنع.‬ ‫ن‬ ‫ولثمانى سنوات وشهرين وعشرة أيام من عمره صلى ال عليه وسلم توفي جده عبد المطلب بمكة، ورأي‬ ‫قبل وفاته أن يعهد بكفالة حفيده إلى عمه أبي طالب شقيق أبيه.‬
  • 12. ‫إلى عمه الشفيق‬ ‫ونهض أبو طالب بحق ابن أخيه على أكمل وجه، وضمه إلى ولده وقدمه عليهم واختصه بفضل احترام‬ ‫وتقدير، وظل فوق أربعين سنة يعز جانبه، ويبسط عليه حمايته، ويصادق ويخاصم من أجله، وستأتي نبذ‬ ‫من ذلك في مواضعها.‬ ‫ولما بلغ رسول ال صلى ال عليه وسلم اثنتى عشرة سنة ـ قيل: وشهرين وعشرة أيام ـ ارتحل به أبو طالب‬ ‫تاج ًا إلى الشام، حتى وصل إلى ُصْ َى ـ وهي معدودة من الشام، و َ َ َة ل ُو َان، وكانت في ذلك الوقت قصبة‬ ‫قصب ح ر‬ ‫ب ر‬ ‫ر‬ ‫للبلد العربية التي كانت تحت حكم الرومان. وكان في هذا البلد راهب عرف َب ِي َى، واسمه ـ فيما يقال:‬ ‫بحر‬ ‫جرجس، فلما نزل الركب خرج إليهم، وكان ل يخرج إليهم قبل ذلك، فجعل يتخّلهم حتى جاء فأخذ بيد رسول ال‬ ‫ل‬ ‫صلى ال عليه وسلم، وقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه ال رحمة للعالمين. فقال له‬ ‫خر ساج ًا، ول يسجدان إل لنبى، وإنى أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة، ]وإنا نجده في‬ ‫د‬ ‫كتبنا[، ثم أكرمهم بالضيافة، وسأل أبا طالب أن يرده، ول يقدم به إلى الشام؛ خو ًا عليه من الروم واليهود،‬ ‫ف‬ ‫فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى مكة.‬
  • 13. ‫حياة الكدح‬ ‫ولم يكن له صلى ال عليه وسلم عمل معين في أول شبابه، إل أن الروايات توالت أنه كان يرعى‬ ‫غن ًا، رعاها في بني سعد، وفي مكة لهلها على قراريط، ويبدو أنه انتقل إلى عمل التجارة حين‬ ‫م‬ ‫شب،فقد ورد أنه كان يتجر مع السائب بن أبي السائب المخزومي فكان خير شريك له، ل يدارى‬ ‫ول يمارى، وجاءه يوم الفتح فرحب به، وقال: مرح ًا بأخي وشريكي.‬ ‫ب‬ ‫وفي الخامسة والعشرين من سنه خرج تاج ًا إلى الشام في مال خديجة رضي ال عنها قال ابن‬ ‫ر‬ ‫إسحاق: كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها،‬ ‫وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم، وكانت قريش قو ًا تجا ًا، فلما بلغها عن رسول ال صلى ال‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه، وعظم أمانته وكرم أخلقه بعثت إليه، فعرضت عليه أن‬ ‫يخرج في مال لها إلى الشام تاج ًا، وتعطيه أفضل ما كانت تعطى غيره من التجار، مع غلم لها‬ ‫ر‬ ‫يقال له: ميسرة، فقبله رسول ال صلى ال عليه وسلم منها، وخرج في مالها ذلك، وخرج معه‬ ‫غلمها ميسرة حتى قدم الشام.‬
  • 14. ‫زواجه بخديجة‬ ‫ولما رجع إلى مكة، ورأت خديجة في مالها من المانة والبركة ما لم تر قبل هذا، وأخبرها غلمها ميسرة‬ ‫بما رأي فيه صلى ال عليه وسلم من خلل عذبة، وشمائل كريمة، وفكر راجح، ومنطق صادق، ونهج‬ ‫أمين، وجدت ضالتها المنشودة ـ وكان السادات والرؤساء يحرصون على زواجها فتأبي عليهم ذلك ـ‬ ‫فتحدثت بما في نفسها إلى صديقتها نفيسة بنت منبه، وهذه ذهبت إليه صلى ال عليه وسلم تفاتحه أن‬ ‫يتزوج خديجة، فرضى بذلك، وكلم أعمامه، فذهبوا إلى عم خديجة وخطبوها إليه، وعلى إثر ذلك تم‬ ‫الزواج، وحضر العقد بنو هاشم ورؤساء مضر، وذلك بعد رجوعه من الشام بشهرين، وأصدقها عشرين‬ ‫َكْرة. وكانت سنها إذ ذاك أربعين سنة، وكانت يومئذ أفضل نساء قومها نس ًا وثروة وعق ً، وهي أول‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫امرأة تزوجها رسول ال صلى ال عليه وسلم، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت.‬ ‫وكل أولده صلى ال عليه وسلم منها سوى إبراهيم،ولدت له: أو ً القاسم ـ وبه كان يكنى ـ ثم زينب،‬ ‫ل‬ ‫ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة، وعبد ال . وكان عبد ال يلقب بالطيب والطاهر، ومات بنوه كلهم في‬ ‫صغرهم، أما البنات فكلهن أدركن السلم فأسلمن وهاجرن،إل أنهن أدركتهن الوفاة في حياته صلى ال‬ ‫عليه وسلم سوى فاطمة رضي ال عنها، فقد تأخرت بعده ستة أشهر ثم لحقت به.‬
  • 15. ‫بناء الكعبة وقضية التحكيم‬ ‫ولخمس وثلثين سنة من مولده صلى ال عليه وسلم قامت قريش ببناء الكعبة؛ وذلك لن‬ ‫الكعبة كانت َضْ ًا فوق القامة، ارتفاعها تسعة أذرع من عهد إسماعيل عليه السلم، ولم يكن‬ ‫ر م‬ ‫لها سقف، فسرق نفر من اللصوص كنزها الذي كان في جوفها، وكانت مع ذلك قد تعرضت ـ‬ ‫باعتبارها أث ًا قديما ـ للعوادى التي أدهت بنيانها، وصدعت جدرانها، وقبل بعثته صلى ال‬ ‫ر‬ ‫عليه وسلم بخمس سنين جرف مكة سيل عرم انحدر إلى البيت الحرام، فأوشكت الكعبة منه‬ ‫على النهيار، فاضطرت قريش إلى تجديد بنائها حر ًا على مكانتها، واتفقوا على أل يدخلوا‬ ‫ص‬ ‫في بنائها إل طي ًا، فل يدخلون فيها مهر بغى ول بيع ر ًا ول مظلمة أحد من الناس، وكانوا‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫يهابون هدمها، فابتدأ بها الوليد بن المغيرة المخزومى، فأخذ المعول وقال: ال م ل نريد إل‬ ‫الخير، ثم هدم ناحية الركنين، ولما لم يصبه شيء تبعه الناس في الهدم في اليوم الثاني، ولم‬ ‫يزالوا في الهدم حتى وصلوا إلى قواعد إبراهيم، ثم أرادوا الخذ في البناء فجزأوا الكعبة،‬ ‫وخصصوا لكل قبيلة جز ًا منها. فجمعت كل قبيلة حجارة على حدة، وأخذوا يبنونها، وتولى‬ ‫ء‬ ‫البناء بناء رومي اسمه: باقوم. ولما بلغ البنيان موضع الحجر السود اختلفوا فيمن يمتاز‬ ‫بشرف وضعه في مكانه، واستمر النزاع أربع ليال أو خم ًا، واشتد حتى كاد يتحول إلى حرب‬ ‫س‬ ‫ضروس في أرض الحرم، إل أن أبا أمية بن المغيرة المخزومى عرض عليهم أن يحكموا فيما‬ ‫شجر بينهم أول داخل عليهم من باب المسجد فارتضوه،‬
  • 16. ‫بناء الكعبة وقضية التحكيم‬ ‫وشاء ال أن يكون ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم، فلما رأوه هتفوا: هذا‬ ‫المين، رضيناه، هذا محمد، فلما انتهى إليهم، وأخبروه الخبر طلب رداء‬ ‫فوضع الحجر وسطه وطلب من رؤساء القبائل المتنازعين أن يمسكوا جمي ًا‬ ‫ع‬ ‫بأطراف الرداء، وأمرهم أن يرفعوه، حتى إذا أوصلوه إلى موضعه أخذه بيده‬ ‫فوضعه في مكانه، وهذا حل حصيف رضى به القوم.‬ ‫وقصرت بقريش النفقة الطيبة فأخرجوا من الجهة الشمالية نحوا من ستة‬ ‫أذرع، وهي التي تسمى بالحجر والحطيم، ورفعوا بابها من الرض؛ لئل يدخلها‬ ‫إل من أرادوا، ولما بلغ البناء خمسة عشر ذرا ًا سقفوه على ستة أعمدة.‬ ‫ع‬ ‫وصارت الكعبة بعد انتهائها ذات شكل مربع تقري ًا، يبلغ ارتفاعه 51 مت ًا،‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫وطول ضلعه الذي فيه الحجر السود والمقابل له 01 أمتار، والحجر موضوع‬ ‫على ارتفاع 1.05متر من أرضية المطاف. والضلع الذي فيه الباب والمقابل له‬ ‫21مت ًا، وبابها على ارتفاع مترين من الرض، ويحيط بها من الخارج قصبة‬ ‫ر‬ ‫من البناء أسفلها، متوسط ارتفاعها 0.52مت ًا ومتوسط عرضها 0.03 مت ًا‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫وتسمى بالشاذروان، وهي من أصل البيت لكن قري ًا تركتها.‬ ‫ش‬
  • 17. ‫كان النبي صلى ال عليه وسلم قد جمع في نشأته خير ما في طبقات الناس من ميزات، وكان طرا ًا رفي ًا من‬ ‫ع‬ ‫ز‬ ‫الفكر الصائب، والنظر السديد، ونال ح ًا واف ًا من حسن الفطنة وأصالة الفكرة وسداد الوسيلة والهدف، وكان‬ ‫ظ ر‬ ‫يستعين بصمته الطويل على طول التأمل وإدمان الفكرة واستكناه الحق، وطالع بعقله الخصب وفطرته الصافية‬ ‫صحائف الحياة وشئون الناس وأحوال الجماعات، فعاف ما سواها من خرافة، ونأي عنها، ثم عاشر الناس على‬ ‫بصيرة من أمره وأمرهم، فما وجد حس ًا شارك فيه وإل عاد إلى عزلته العتيدة، فكان ل يشرب الخمر، ول يأكل‬ ‫ن‬ ‫مما ذبح على النصب، ول يحضر للوثان عي ًا ول احتفا ً، بل كان من أول نشأته نافرا من هذه المعبودات‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫الباطلة، حتى لم يكن شيء أبغض إليه منها، وحتى كان ل يصبر على سماع الحلف باللت والعزى.‬ ‫ول شك أن القدر حاطه بالحفظ، فعندما تتحرك نوازع النفس لستطلع بعض متع الدنيا، وعندما يرضى باتباع‬ ‫بعض التقاليد غير المحمودة ـ تتدخل العناية الربانية للحيلولة بينه وبينها، قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:‬ ‫)ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يعملون غير مرتين، كل ذلك يحول ال بيني وبينه، ثم ما هممت به حتى‬ ‫أكرمنى برسالته، قلت ليلة للغلم الذي يرعى معي الغنم بأعلى مكة: لو أبصرت لي غنمي حتى أدخل مكة وأسمر‬ ‫بها كما يسمر الشباب، فقال: أفعل، فخرجت حتى إذا كنت عند أول دار بمكة سمعت عز ًا، فقلت: ما هذا؟ فقالوا:‬ ‫ف‬ ‫عرس فلن بفلنة، فجلست أسمع، فضرب ال على أذنـى فنمت، فما أيقظني إل حر الشمس. فعدت إلى صاحبي‬ ‫فسألني، فأخبرته، ثم قلت ليلة أخرى مثل ذلك، ودخلت بمكة فأصابني مثل أول ليلة... ثم ما هممت بسوء(.‬
  • 18. ‫وروى البخاري عن جابر بن عبد ال قال: لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى ال عليه وسلم وعباس ينقلن الحجارة،‬ ‫فقال عباس للنبي صلى ال عليه وسلم: اجعل إزارك على رقبتك يقيقك من الحجارة، فخر إلى الرض وطمحت عيناه‬ ‫إلى السماء ثم أفاق، فقال: )إزاري، إزاري( فشد عليه إزاره. وفي رواية: فما رؤيت له عورة بعد ذلك.‬ ‫وكان النبي صلى ال عليه وسلم يمتاز في قومه بخلل عذبة وأخلق فاضلة، وشمائل كريمة، فكان أفضل قومه مروءة،‬ ‫وأحسنهم خل ًا، وأعزهم جوا ًا، وأعظمهم حل ًا، وأصدقهم حدي ًا، وألينهم َ ِيكة، وأعفهم نف ًا وأكرمهم خي ًا، وأبرهم‬ ‫ر‬ ‫س‬ ‫عر‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ق‬ ‫عم ً، وأوفاهم عه ًا، وآمنهم أمانة حتى سماه قومه: ]المين[ لما جمع فيه من الحوال الصالحة والخصال المرضية،‬ ‫د‬ ‫ل‬ ‫وكان كما قالت أم المؤمنين خديجة رضي ال عنها يحمل الكل، ويكسب المعدوم، ويقرى الضيف، ويعين على نوائب‬ ‫الحق.‬
  • 19.
  • 20. ‫النبــوة والدعــوة - العهـد المكـي‬ ‫تنقسم حياة رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد أن شرفه ال بالنبوة‬ ‫والرسالة إلى عهدين يمتاز أحدهما عن الخـر تمـام المتياز، وهما:‬ ‫1 ـ العهد المكي، ثلث عشرة سنة تقري ًا.‬ ‫ب‬ ‫2 ـ العهد المدني، عشر سنوات كاملة.‬ ‫ثم يشتمل كل من العهدين على عدة مراحل، لكل مرحلة منها خصائص‬ ‫تمتاز بها عن غيرها، يظهر ذلك جل ًا بعد النظر الدقيق في الظروف التي‬ ‫ي‬ ‫مرت بها الدعوة خلل العهدين.‬ ‫ويمكن تقسيم العهد المكي إلى ثلث مراحل:‬ ‫1 ـ مرحلة الدعوة السرية، ثلث سنوات.‬ ‫2 ـ مرحلة إعلن الدعوة في أهل مكة، من بداية السنة الرابعة من النبوة‬ ‫إلى هجرته صلى ال عليه وسلم إلى المدينة.‬ ‫3 ـ مرحلة الدعوة خارج مكة وفشوها فيهم، من أواخر السنة العاشرة‬ ‫من النبوة. وقد شملت العهد المدني وامتدت إلى آخر حياته صلى ال‬ ‫عليه وسلم.‬ ‫أما مراحل العهد المدني فسيجيء تفصيلها في موضعه.‬
  • 21. ‫في ظلل النبوة والرسالة‬ ‫في غار حراء‬ ‫لما تقاربت سنه صلى ال عليه وسلم الربعين، وكانت تأملته‬ ‫الماضية قد وسعت الشقة العقلية بينه وبين قومه، حبب إليه‬ ‫الخلء، فكان يأخذ ال ّ ِيق والماء، ويذهب إلى غار حراء في‬ ‫سو‬ ‫جبل النور على مبعدة نحو ميلين من مكة ـ وهو غار لطيف‬ ‫طوله أربعة أذرع، وعرضه ذراع وثلثة أرباع ذراع من ذراع‬ ‫الحديد ـ فيقيم فيه شهر رمضان، ويقضي وقته في العبادة‬ ‫والتفكير فيما حوله من مشاهد الكون وفيما وراءها من قدرة‬ ‫مبدعة، وهو غير مطمئن لما عليه قومه من عقائد الشرك‬ ‫المهلهلة وتصوراتها الواهية، ولكن ليس بين يديه طريق‬ ‫واضح، ول منهج محدد، ول طريق قاصد يطمئن إليه‬ ‫ويرضاه.‬
  • 22. ‫جبريل ينزل بالوحي‬ ‫عائشة الصديقة رضي ال عنها تروى لنا قصة هذه الوقعة التي كانت نقطة بداية النبوة، وأخذت تفتح دياجير‬ ‫ظلمات الكفر والضلل حتى غيرت مجرى الحياة، وعدلت خط التاريخ، قالت عائشة رضي ال عنها.‬ ‫أول ما بديء به رسول ال صلى ال عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان ل يرى رؤيا إل جاءت‬ ‫مثل َ َق الصبح، ثم ُ ّ َ إليه الخلء، وكان يخلو بغار حراء، ف َ َ َ ّث فيه ـ وهو التعبد ـ الليالي ذوات العدد قبل‬ ‫يت حن‬ ‫حبب‬ ‫فل‬ ‫أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه‬ ‫الملك فقال: اقرأ: قال: )ما أنا بقارئ(، قال: )فأخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلنى، فقال: اقرأ، قلت:‬ ‫مـا أنـا بقـارئ، قـال: فأخذنى فغطنى الثانية حتى بلـغ منـى الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ،‬ ‫فأخذني فغطني الثالثة، ثـم أرسلـني فـقـال: }اقْ َأْ ِاسْ ِ َ ّ َ اّ ِي َ َ َ َ َ َ ا ِن َا َ ِنْ َ َ ٍ اقْ َأْ َ َ ّ َ ا َكْ َ ُ{‬ ‫ر ب م ربك لذ خلق خلق لْ س ن م علق ر وربك لْ رم‬ ‫]العلق:1: 3[(، فرجع بها رسول ال صلى ال عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد فقال:‬ ‫) َ ُّونى زملونى(، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة: )ما لي؟( فأخبرها الخبر، )لقد خشيت على‬ ‫زمل‬ ‫نفسي(، فقالت خديجة: كل، وال ما يخزيك ال أب ًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى‬ ‫د‬ ‫الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل ابن أسد بن عبد العزى ابن عم‬ ‫خديجة‬
  • 23. ‫جبريل ينزل بالوحي‬ ‫ـ وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبرانى، فيكتب من النجيل بالعبرانية ما شاء ال أن‬ ‫يكتب، وكان شي ًا كبي ًا قد عمي ـ فقالت له خديجة: يابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يابن أخي،‬ ‫خ ر‬ ‫ماذا ترى؟ فأخبره رسول ال صلى ال عليه وسلم خبر ما رأي، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزله ال‬ ‫على موسى، يا ليتني فيها َ َعا، ليتنى أكون ح ًا إذ يخرجك قومك، فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم:‬ ‫ي‬ ‫جذ‬ ‫)أو مخرج ّ هم؟( قال:نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إل ُو ِ َ، وإن يدركنى يومك أنصرك نص ًا‬ ‫ر‬ ‫ع دى‬ ‫ي‬ ‫مؤز ًا، ثم لم َنْ َبْ ورقة أن توفي، و َ َر الوحى.‬ ‫فت‬ ‫يش‬ ‫ر‬ ‫جبريل ينزل بالوحي مرة ثانية‬ ‫قال ابن حجر: وكان ذلك ]أي انقطاع الوحي أيا ًا[؛ ليذهب ما كان صلى ال عليه وسلم وجده من الروع،‬ ‫م‬ ‫وليحصل له التشوف إلى العود، فلما حصل له ذلك وأخذ يرتقب مجىء الوحى أكرمه ال بالوحي مرة ثانية.‬ ‫قال: صلى ال عليه وسلم:‬ ‫)جاورت بحراء شه ًا فلما قضيت جوارى هبطت ]فلما استبطنت الوادي[ فنوديت، فنظرت عن يميني فلم أر‬ ‫ر‬ ‫شي ًا، ونظرت عن شمالي فلم أر شي ًا، ونظرت أمامي فلم أر شيئا، ونظرت خلفي فلم أرشي ًا، فرفعت رأسى‬ ‫ئ‬ ‫ئ‬ ‫ئ‬ ‫فرأيت شي ًا، ]فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والرض، َ ُ ِثْ ُ منه رع ًا حتى‬ ‫ب‬ ‫ف جئ ت‬ ‫ئ‬ ‫هويت إلى الرض[ فأتيت خديجة فقلت: ]زملوني، زملوني[، دثرونى، وصبوا على ماء بار ًا(، قال: )فدثرونى‬ ‫د‬ ‫وصبوا على ماء بار ًا، فنزلت: } َا َ ّ َا الْ ُ ّ ّ ُ ُمْ َ َن ِرْ َ َ ّ َ َ َ ّرْ َ ِ َا َ َ َ َ ّرْ َال ّجْ َ َاهْ ُرْ{ ]المدثر: 1:‬ ‫ي أيه مدثر ق فأ ذ وربك فكب وثي بك فطه و ر ز ف ج‬ ‫د‬
  • 24. ‫  أقسام الوحى‬ ‫بيان أقسام الوحى ومراتبه. قال ابن القيم، وهو يذكر تلك المراتب:‬ ‫إحداها: الرؤيا الصادقة، وكانت مبدأ وحيه صلى ال عليه وسلم.‬ ‫الثانية: ما كان يلقيه الملك في روعه وقلبه من غير أن يراه، كما قال النبي صلى ال عليه وسلم: )إن روح‬ ‫القدس نفث في روعى أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا ال وأجملوا في الطلب، ول يحملنكم‬ ‫استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية ال ، فإن ما عند ال ل ينال إل بطاعته(.‬ ‫الثالثة: إنه صلى ال عليه وسلم كان يتمثل له الملك رج ً فيخاطبه حتى َ ِ َ عنه ما يقول له، وفي هذه‬ ‫يع ى‬ ‫ل‬ ‫المرتبة كان يراه الصحابة أحيا ًا.‬ ‫ن‬ ‫الرابعة: أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس، وكان أشده عليه، فيلتبس به الملك، حتى أن جبينه لي َ َ ّد‬ ‫ت فص‬ ‫عر ًا في اليوم الشديد البرد، وحتى أن راحلته لتبرك به إلى الرض إذا كان راكبها، ولقد جاء الوحى مرة‬‫ق‬ ‫كذلك وفخذه على فخذ زيد بن ثابت، فثقلت عليه حتى كادت ترضها.‬ ‫الخامسة: إنه يرى الملك في صورته التي خلق عليها، فيوحى إليه ما شاء ال أن يوحيه، وهذا وقع له مرتين‬ ‫كما ذكر ال ذلك في سورة النجم.‬ ‫السادسة: ما أوحاه ال إليه، وهو فوق السموات ليلة المعراج من فرض الصلة وغيرها.‬ ‫السابعة: كلم ال له منه إليه بل واسطة ملك كما كلم ال موسى بن عمران، وهذه المرتبة هي ثابتة لموسى‬ ‫قط ًا بنص القرآن. وثبوتها لنبينا صلى ال عليه وسلم هو في حديث السراء.‬ ‫ع‬ ‫وقـد زاد بعضهم مرتبة ثامنة؛ وهي تكليم ال له كفا ًا من غير حجاب، وهي مسألة خلف بين السلف‬ ‫ح‬ ‫والخلف.‬
  • 25. ‫المرحلة الولى: من جهاد الدعوة إلي ا‬ ‫ثلث سنوات من الدعوة السرية‬ ‫قام رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد نزول ما تقدم من آيات سورة المدثر، بالدعوة إلى ال سبحانه‬ ‫وتعالى؛ وحيث إن قومه كانوا جفاة ل دين لهم إل عبادة الصنام والوثان، ول حجة لهم إل أنهم ألفوا‬ ‫آباءهم على ذلك، ول أخلق لهم إل الخذ بالعزة والنفة، ول سبيل لهم في حل المشاكل إل السيف،‬ ‫وكانوا مع ذلك متصدرين للزعامة الدينية في جزيرة العرب، ومحتلين مركزها الرئيس، ضامنين حفظ‬ ‫كيانها، فقد كان من الحكمة تلقاء ذلك أن تكون الدعوة في بدء أمرها سرية؛ لئل يفاجئ أهل مكة بما‬ ‫يهيجهم.‬
  • 26. ‫الرعيل الول‬ ‫وكان من الطبيعى أن يعرض الرسول صلى ال عليه وسلم السلم أو ً على ألصق الناس به من أهل بيته،‬ ‫ل‬ ‫وأصدقائه، فدعاهم إلى السلم، ودعا إليه كل من توسم فيه الخير ممن يعرفهم ويعرفونه، يعرفهم بحب الحق‬ ‫والخير، ويعرفونه بتحرى الصدق والصلح، فأجابه من هؤلء ـ الذين لم تخالجهم ريبة قط في عظمة الرسول‬ ‫صلى ال عليه وسلم وجللة نفسه وصدق خبره ـ َمْ ٌ ُ ِفوا في التاريخ السلمى بالسابقين الولين، وفي‬ ‫ج ع عر‬ ‫مقدمتهم زوجة النبي صلى ال عليه وسلم أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، وموله زيد بن‬ ‫حارثة بن شراحيل الكلبي وابن عمه علي بن أبي طالب ـ وكان صب ًا يعيش في كفالة‬ ‫ي‬ ‫الرسول صلى ال عليه وسلم ـ وصديقه الحميم أبو بكر الصديق. أسلم هؤلء في أول يوم الدعوة.‬ ‫ثم نشط أبو بكر في الدعوة إلى السلم، وكان رج ً مأل ًا محب ًا سه ً ذا خلق ومعروف،وكان رجال قومه يأتونه‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ل ف‬ ‫ويألفونه؛ لعلمه وتجارته وحسن مجالسته، فجعل يدعو من يثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم‬ ‫بدعوته عثمان بن عفان الموى، والزبير بن العوام السدى، وعبد الرحمن بن‬ ‫عوف، وسعد بن أبي وقاص الزهريان، وطلحة بن عبيد ا التيمي. فكان هؤلء‬ ‫النفر الثمانية الذين سبقوا الناس هم الرعيل الول وطليعة السلم.‬
  • 27. ‫الرعيل الول‬ ‫ثم تل هؤلء أمين هذه المة أبو عبيدة عامر بن الجراح من بني الحارث بن فهر، وأبو سلمة بن عبد السد‬ ‫المخزومى، وامرأته أم سلمة، والرقم بن أبي الرقم المخزومى، وعثمان بن مظعون ال ُ َ ِ ّ وأخواه قدامة‬ ‫جمحى‬ ‫وعبد ال ، وعبيدة بن الحارث ابن المطلب بن عبد مناف، وسعيد بن زيد العدوى، وامرأته فاطمة بنت‬ ‫الخطاب العدوية أخت عمر بن الخطاب، وخباب بن الرت التميمى، وجعفر بن أبي طالب، وامرأته أسماء بنت‬ ‫ُ َيْس، وخالد بن سعيد بن العاص الموى، وامرأته أمينة بنت خلف، ثم أخوه عمرو بن سعيد بن العاص،‬ ‫عم‬ ‫وحاطب بن الحارث الجمحي، وامرأته فاطمة بنت ال ُ َّل وأخوه الخطاب بن الحارث، وامرأته ُ َيْ َة بنت‬ ‫فك ه‬ ‫مجل‬ ‫يسار، وأخوه معمر ابن الحارث، والمطلب بن أزهر الزهري، وامرأته رملة بنت أبي عوف، ونعيم بن عبد ال‬ ‫بن النحام العدوي، وهؤلء كلهم قرشيون من بطون وأفخاذ شتى من قريش.‬ ‫ومن السابقين الولين إلى السلم من غير قريش: عبد ال بن مسعود الهذلي، ومسعود بن ربيعة القاري،‬ ‫وعبد ال بن جحش السدي وأخوه أبو أحمد بن جحش، وبلل بن رباح الحبشي، ُ َيْب بن ِنان الرومي،‬ ‫س‬ ‫صه‬ ‫وعمار بن ياسر العنسي، وأبوه ياسر، وأمه سمية، وعامر بن ُهيرة.‬ ‫ف‬ ‫وممن سبق إلى السلم من النساء غير من تقدم ذكرهن: أم أيمن بركة الحبشية، وأم الفضل لبابة الكبرى بنت‬ ‫الحارث الهللية زوج العباس بن عبد المطلب، وأسماء بنت أبي بكر الصديق رضي ال عنهما.‬ ‫هؤلء معروفون بالسابقين الولين، ويظهر بعد التتبع والستقراء أن عدد الموصوفين بالسبق إلى السلم‬ ‫وصل إلى مائة وثلثين رج ً وامرأة، ولكن ل يعرف بالضبط أنهم كلهم أسلموا قبل الجهر بالدعوة أو تأخر‬ ‫ل‬ ‫إسلم بعضهم إلى الجهر بها.‬ ‫الجزء الثاني – الدعوة الجهرية‬