سلسلة في التجويد للدورات التمهيدية والمتوسطة والمتقدمة.pdf
البيان في أن سورة النورين ليست من و لا مثل سور القرآن
1. البيان في أن سورة النورين ليست من و ل مثل سور
القرآن
د. ربيع أحمد
بسم ا الرحمن الرحيم
1
2. الحمد لله وحده
وصحبه ، أما بعد :
و الصلة و السلم على من ل نبي بعـده ، وعلى آله
فمازال أعداء ا الفينة بعد الفينة يلقون إلى المسلمين شبها تدل على
سفاهة عقولهم و قصور ثقافتهم و شدة حقدهم على السلم فالعدو ل
يهدأ له بال ودين ا في ازدياد لذا يحاول أن يثير الشبهات و يشيع
الشهوات حتى يطفأ نور ا و ا متم نوره و لو كره هذا الكافر .
و مما أثاره الكفار المغرضون في هذه اليام سقوط سورة تدعى
سورة النورين من المصحف و إذا بين لهم أن هذه السورة ليست من
المصحف و أنها من كلم بشر يقولون أن كلم هذه السورة مثل كلم ا
و بالتالي قرآنكم قد عورض ، ومادام القرآن قد عورض فليس بكلم ا
و بالتالي ل دليل على صدق نبيكم .
و في هذه السطور بيان لبطلن دعوى أن سورة النورين من المصحف و
بطلن دعوى أن سورة النورين مثل سور القرآن الكريم .
نص سورة النورين المدعاة
2
3. يا أيها الذين آ منوا آ منوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي
ِ
َ
ويحذرانكم عذاب يوم عظيم.
نوران بعضهما من بعض وأنا السميع العليم.
إن الذين يعرفون بعهد ا ورسوله في آيات لهم جنات نعيم.
والذين كفروا من بعدما آمنوا بنقضهم ميثاقهم وما عاهدهم
الرسول عليه يقذفونه في الجحيم.
ظلموا أنفسهم وعصوا الوصي الرسول أولئك يسقون من
حميم.
إن ا الذي ن ور السموات والرض بما شاء واصطفى من الملئكة
ّ
وجعل من المؤمنين أولئك من خلقه يفعل ا ما يشاء ل إله إل هو
الرحمان الرحيم.
قد مكر الذين من قبلهم برسلهم فأخذتهم بمكرهم إن أخذي
شديد أليم.
إن ا قد أهلك عادا وثمود بما كسبوا وجعلهم لكم تذكرة فل
تتقون.
وفرعون بما طغى على موسى وأخيه هارون أغرقته ومن تبعه
أجمعين.
ليكون لكم آية وإن أكثركم فاسقون.
إن ا يجمعهم يوم الحشر فل يستطيعون الجواب حين
يسألون.
إن الجحيم مأواهم وإن ا حكيم عليم.
يا أيها الرسول بلغ إنذاري فسوف يعلمون.
3
4. قد خسر الذين كانوا عن آياتي وحكمي معرضون.
مثل الذين يوفون بعهدك إني جزيتهم جنات النعيم.
إني لذو مغفرة وأجر عظيم. وإن عل يا لمن المتقين.
ّ
وإنا لنوفه حقه يوم الدين.
وما نحن عن ظلمه بغافلين.
وكرمناه على أهلك أجمعين.
وإنه وذريته لصابرون.
وإن عدوهم إمام المجرمين.
قل للذين كفروا بعدما آمنوا طلبتم زينة الحياة الدنيا واستعجلتم بها
ونسيتم ما وعدكم ا ورسوله ونقضتم العهود من بعد توكيدها وقد
ضربنا لكم المثال لعلكم تهتدون.
يا أيها الرسول قد أنزلنا إليك آيات مبينات فيها من يتوفه مؤمنا
ومن يتوله من بعدك يظهرون.
فاعرض عنهم إنهم معرضون.
إنا لهم محرضون في يوم ل يغني عنهم شيء ول هم يرحمون.
إن لهم في جهنم مقاما عنه ل يعدلون.
فسبح باسم ربك وكن من الساجدين.
ولقد أرسلنا موسى وهرون بما استخلف فبغوا هرون فصبر جميل
فجعلنا منهم القردة والخنازير ولع ناهم إلى يوم يبعثون.
ّ
فاصبر فسوف يبلون ولقد آتينا بك الحكم كالذين من قبلك من
المرسلين.
4
5. وجعلنا لك منهم وصيا لعلهم يرجعون.
ومن يتول عن أمري فإني مرجعه، فليتمنعوا بكفرهم قلي ل ً فل
تسأل عن الناكثين.
يا أيها الرسول قد جعلنا لك في أعناق الذين آمنوا عهدا فخذه
وكن من الشاكرين.
إن عليا قانتا بالليل ساجدا يحذر الخرة ويرجو ثواب ربه. قل هل
يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون.
سيعجل الغلل في أعناقهم وهم على أعمالهم يندمون.
إنا بشرناك بذرية الصالحين.
وإنهم لمرنا ل يخلفون.
فعليهم مني صلة ورحمة أحياء وأمواتا ويوم يبعثون.
وعلى الذين يبغون عليهم من بعدك غضبي أنهم قوم سو ءٍ
خاسرين.
وعلى الذين سلكوا مسلكهم مني رحمة وهم في الغرفات
آمنون.
والحمد لله رب العالمين .
مصدر سورة النورين المزعومة
5
6. عند تتبع مصدر سورة النورين التي نسبها البعض زورا للقرآن و أدعى
أنها أسقطت منه عمدا ل نجد لها مصدرا إسلميا موثوقا به يعود للقرن
الول الهجري و ل حتى الثاني الهجري .
و مما يعلمه المسلمون بشأن كتاب ا أنه كتب على عهد النبي - صلى
ا عليه وسلم - ، و جمع ما كتب عند أبي بكر الصديق ثم عمر بن
الخطاب، ثم كان المصحف المام الذي كتب في خلفة عثمان بن عفان
كما هو معلوم .
و قد حفظ كثير من الصحابة القرآن و حفظوا القرآن للتابعين و كثير
من التابعين حفظوا القرآن و حفظوه لمن بعدهم و هكذا فحفظ
القرآن في السطور منذ عهد النبوة و حفظ في الصدور منذ عهد النبوة
و جمع القرآن في مصحف واحد في زمن الصحابة في القرن الول
الهجري بمنتهى الدقة و الضبط .
و ما لم يكن في مصحف عثمان الذي أجمع عليه الصحابة و تواتر عنهم
فليس بقرآن حتى و لو كان في القرن الول الهجري فكيف إذا لم يكن
يعود للقرن الول الهجري بل للقرن الحادي عشر من الهجرة أي في
القرن السابع عشر من الميلد ؟!!
إن مصدر سورة النورين المزعومة هو كتاب دبستان مذاهب - و الذي
كتب في القرن الحادي عشر من الهجرة - و نسخة من القرآن مزعومة
في القرن السابع عشر من الميلد في الهند نسخة ليس لها أي اسم أو
رسم فبأي منطق ننسب هذه السورة للقرآن ، والقرآن نقل بالتلقي و
6
7. السماع و نقل بطريق التواتر ، و هنا ل تلقي و ل سماع و ل تواتر بل
إما نسخة من القرآن مزعومة في القرن السابع عشر من الميلد أو كلم
كتبه كاتب غير مسلم ؟!!
و بخصوص النسخة التي زعم أنها من القرآن لو جئنا إلى آية من
القرآن فذهبنا إلى الهند أو الصين أو أدغال أفريقيا أو إلى أي مكان
يوجد فيه مسلمون لوجدنا هذه الية نفسها يوجد الكثير من المسلمين
يحفظها أو على القل نجدها في المصحف الذي عندهم لم يتغير منها
حرف فما قيمة نسخة مجهولة في الهند تعود للقرن السابع عشر من
الميلد ، والقرآن يؤخذ بالسماع و التلقي ثقة عن ثقة وإماما عن إمام
إلى النبي - صلى ا عليه وسلم – و ل يؤخذ بالكتابة ؟!!
و لو جئنا إلى كتاب من كتب العلم الموثوقة لمؤ لفين معروفين مثل
ّ
كتاب للدكتور إبراهيم الفقي ، ولهذا الكتاب نسخ كثيرة في العالم ، كلها
على نس ق واح د ، ثم ا دعى م دّ ع وجود نسخة من هذا الكتاب في بل دٍ ما ،
ٍ
ّ
ٍ
ٍ
وفيها زيادات أو نقص عما في نسخهم ، فهل يعتد بها أحد ؟!!
وبخصوص كتاب دبستان مذاهب فالكتاب لم يذكر المؤلف اسمه فيه ، و
لذلك اختلف في مؤلفه كما ذكره السيد محمد علي داعي السلم في
أول فرهن نظام فحكى عن سرجان ملكم في تاريخ إيران أن اسم
المؤلف محسن الكشميري المتخلص في شعره بفاني .
و حكى عن مؤلف مآثر المراء أن المؤلف اسمه ذو الفقار علي و حكى
عن هامش نسخه كتابتها 0621 أنه مير ذو الفقار علي الحسيني
المتخلص بهوشيار ، و اختار هو أنه لبعض السياح في أواسط القرن
7
8. الحادي عشر أدرك كثيرا من الدراويش بالهند و حكى عنهم الغث و
السمين في كتابه هذا .
أقول و يحكي عن بعض المستشرقين أن في مكتبة بروكسل نسخه
دبستان المذاهب تأليف محمد فاني و ذكر فيه أنه ورد خراسان 6501 و
رأى هناك محمد قلي خان المعتقد لنبوة مسيلمة الكذاب.
و كما أنه أخفى المؤلف اسمه كذلك تعمد في إخفاء مذهبه لئل يحمل
كلمه على التعصب ..
و بالجملة ل شك في أن المؤلف من شعراء أواسط القرن الحادي عشر
الذين استوفى جلهم النصرآبادي في تذكرته ، و لم يذكر فيهم من
ينطبق عليه أحد المحتملت التي ذكرناها أول إل الفاني الكشميري الذي
نقل عنه شعره في ص 744 فلعل هذا الفاني هو المؤلف1 .
و على إثر هذين المصدرين دبستان مذاهب و نسخة من القرآن مزعومة أخذ
أعداء السلم و المستشرقين ك نولدكه و غولدتسيهر يشنعون على
القرآن و يطعنون في حفظه و هذا ينم عن جهلهم بعلوم القرآن و
تاريخ جمع القرآن .
و من كتاب دبستان مذاهب أخذ النوري الطبرسي أحد علماء الشيعة في
كتابه فصل الخطاب ونقل الخرون عنه ، و قد صرح النوري الطبرسي
بعد نقله للسورة المزعومة عن كتاب دبستان مذاهب بأن ليس ثمة أثر
لهذه السورة المزعومة في أي كتاب من كتب الشيعة فقال : » لم أجد
1
الذريعة إلى تصانيف الشيعة للقا بزرك الطهراني 8 / 84 ) شيعي (8
9. أثرا لها في كتب الشيعة سوى ما يحكى عن كتاب المثالب المنسوب إلى
ُ
ابن شهر آشوب : أنهم أسقطوا تمام سورة الولية ، فلعلها هذه السورة
«2 أرأيتم كلم بصيغة المجهول )يحكى ( نسب لكتاب مثالب النواصب
ُ
لبن شهر آشوب المتوفى سنة 885 هـ أي نسب لكتاب في القرن
السادس الهجري ،و لم يعثر على أثر لما ينسب لبن شهر آشوب من
ُ
ُ
إسقاط سورة الولية في كتابه المثالب التي يظن النوري أنها سورة
النورين .
تنبيه لبد منه : الشيعة القدامى ل يقولون بتحريف القرآن مثل ما قال
بعض الشيعة المتأخرين أمثال النوري و نعمة ا الجزائري و هاشم
البحراني ، ومن يقول من المسلمين بتحريف القرآن أو نقصه أو زيادته
فليس من المسلمين أصل .
ما هو القرآن الكريم ؟
القرآن الكريم هو كلم ا المنزل على نبيه محمد - صلى ا عليه
وسلم- المتعبد بتلوته، المتحدي بأقصر سورة منه ، والمنقول إلينا
بطريق التواتر و المكتوب في المصاحف ،و المبدوء بسورة الفاتحة و
المختوم بسورة الناس3 .
2
- فصل الخطاب للنوري الطبرسي ) شيعي (
3 - انظر إرشاد الفحول للشوكاني ص 68 ،و المختص ر في أصول الفق ه لبن اللحا م
الفقهية لعلي جمع ة ص 803 ، و معالم أصول الفق ه عند أهل السن ة والجماعة ص
لعطي ة نصر ص 9 ، و دراسات في علوم القرآن لمحمد بكر إسماعيل ص
9
ص 07 ،و المدخل إلى دراسة المذاه ب
201 ، و غاية المريد في علم التجويد
01
10. و من هذا التعريف يخرج الحديث النبوي ؛ لنه كلم النبي - صلى ا عليه
وسلم- و ليس كلم ا و غير متعبد بتلوته و ليس محل للتحدي و منه
ما نقل بالتواتر ومنه ما نقل بغير التواتر ، والقرآن قطعي الثبوت أما
الحاديث فمنها القطعي الثبوت و منها الظني .
و خرج من هذا التعريف الحديث القدسي إذ القرآن كلم ا أوحى به
إلى النبي - صلى ا عليه وسلم - بلفظه ومعناه أما الحديث القدسي
فمعناه من عند ا ولفظه من عند النبي- صلى ا عليه وسلم - و
القرآن تحدى ا به العرب - بل النس والجن - أن يأتوا بمثله ، و أما
الحديث القدسي فلم يقع به التحدي و العجاز ، و القرآن متعبد
بتلوته أما الحديث القدسي فغير متعبد بتلوته ، و القرآن الكريم
جميعه منقول بالتواتر ، فهو قطعي الثبوت ، و أما الحاديث القدسية
فمعظمها أخبار آحاد ، فهي ظنية الثبوت فيها الصحيح و الحسن و
الضعيف .
وخرج من هذا التعريف أيضا ترجمة القرآن فل تسمى قرآنا ؛ لنها
ليست كلم ا تعالى المنزل فا لترجمة ليست هي الصل على الطلق، وكل ترجمة
لي عمل ليست هي أصله ،و القرآن شيء والترجمة شيء آخر، إذ المترجم يحاول أن ينقل إلى
المتكلمين باللغة الثانية شيئا مما في الصل، ول يمكن نقل إعجاز القرآن وعظمته ، و القرآن
هو النص المقدس الذي يتعبد بتلوته ويتلى في الصلوات، ول يتعبد ب أي ترجمة .
و خرج من هذا التعريف أيضا القراءات الشاذة فالقراءات الشاذة
ليست متواترة ، و القرآن ل يثبت إل بالتواتر ، و الستدلل بالقراءة
الشاذة موضع خلف بين الفقهاء فالشافعية و المالكية يرفضون
الستدلل بها و لكن الحنفية و الحنابلة يستدلون بها مثل قراءة ابن
مسعود فمن لم يجد فصيام ثلثة أيام متتابعات في كفارة اليمين و
حجة الحنفية و من وافقهم أنها خبر على القل و خبر الواحد إذا صح
يعمل به .
01
11. و خالف ال شا ف عي و ج ما عة ف قا لوا قد اتفقنا على شَ ر ط ية ت واتر ا ل ق رآن
ْ ُ ْ
ْ ِّ َ َ
َ َ َ َ َ َ ُ
ّ ِ ِ
َ َ
وقد ا ن ت فت قرآنيتها لعدم تواترها وبكونها نقلت ق رآ نا ا ن ت فت ع ن ها ال سن ية
ّ ّ
َْ َ
ُ ْ ً َْ َ
َْ َ
َ
َ
وأ جيب ب أن ا ل ع مل ب ها ل ي س لوصفها أع ني القرآنية أو ال سن ية بل لذاتها
ّ ّ
َ ِ
َ َْ َ
ْ َ َ
َِ
َ ِ
ا ل تي ه يَ ص حة نسبتها إ ِ لى ال شا رع في الول وا لْ خ طأ في ا ل و صف
ْ َ ْ
َ َ َ ِ
ِ
ّ ِ
َ
ِ َ
ِ
ِّ
بالقرآنية إن سلم وجوب ال ت وا تر ل يستلزم ا لْ خ طأ في ن س بة ال ذات ا ل تي
ِّ
ّ
ِ َْ
َ َ ِ
ّ َ ُ
ِ
َْ
ه ي ن س بة الحكم إ ِ لى ال شا رع ولم ي ش ترط في الراوي أن ل يخطئ ر أسا
َ َ
ِ
َْ
َ
ّ ِ
َ
ِ َ ِ َْ
َ
بل ي ك في ر ج حان ضبطه على س هوه وا ل ف رض أن الراوي ك ذ لك والندرة ل
َ
َ َِ
َ ْ َ ْ
َ ْ
َ
ُ ْ َ
َ ْ ِ
تبطل الرجحان4.
و القراءة الشاذة تحمل على أن الصحابي سمع النبي - صلى ا عليه
وسلم - يقولها فظنها قرآنا ،و إن قيل باحتمال كون الزيادة بيانا من
الصحابي فغير وارد فإن الصحابي ل يورد بيانه بهيئة القرآن المتلو 5 .
و سورة النورين المزعومة لم تكتب في مصحف عثمان الذي أجمع عليه
الصحابة و لم تنقل إلينا بالتواتر ، وليس فيها إعجاز بل تشمل ألفاظ
ركيكة و كلم مبتور و تحوي الكثير من الخطاء النحوية فهي بعيدة كل
البعد عن القرآن المنقول إلينا بطريق التواتر و المكتوب في المصاحف
،و المبدوء بسورة الفاتحة و المختوم بسورة الناس .
أدلة حفظ القرآن من التحريف و الزيادة و النقصان
4
5
إجابة السائل شرح بغية المل للصنعاني ص 27 الواضح في أصول الفقه للدكتور محمد سليمان الشقر ص 3811
12. قال تعالى : ﴿ إ ِ نا ن ح ن ن ز ل نا ال ذّ ك ر و إ ِ نا ل ه لَ حا ف ظو ن ﴾ ) الحجر الية
ْ َ َ ّ َ ُ َ ِ ُ َ
ّ َ ْ ُ َ َّْ
9 ( ، أي :و إ ِ نا ل ل ق رآ ن ل حا ف ظو ن م ن أ َ ن ي زا د في ه با ط ل ما ل ي س م ن ه، أ َ وْ
َ ّ ِْ ُ ْ ِ َ َ ِ ُ َ ِ ْ ْ ُ َ َ ِ ِ َ ِ ٌ َ َْ َ ِْ ُ
ي ن ق ص م ن ه ما ه و م ن ه م ن أ َ ح كا م ه و ح دو د ه و ف را ئ ض ه 6.
َْ ُ ُ ِْ ُ َ ُ َ ِْ ُ ِ ْ ْ َ ِ ِ َ ُ ُ ِ ِ َ َ َ ِ ِ ِ
و هذه الية نص في أن ا – سبحانه و تعالى - تولى حفظ القرآن من
التحريف و التغيير و الزيادة و النقصان .
و ما حفظه ا فإنه ل يستطيع أحد أن يضيعه ، و مادام الذي تعهد حفظ
القرآن هو ا فلن يقدر أحد على ت غ يير كلمة وا ح دة من القرآن أو زيادة
َ ِ َ
َ ِْ
كلمة أو نقصان كلمة رغم ك ث رة من سعى في ذلك .
ِ
َْ َ
ِ ْ
و قال تعالى : ﴿ و إ ِ ن ه ل ك تا ب ع زي ز ل ي أ تي ه ا ل با ط ل م ن ب ي ن ي د ي ه ول م ن
َِْ ِ َْ ِ ُ ِ ْ َْ ِ َ َْ ِ َ
َ ّ ُ َ َِ ٌ َ ِ ٌ
خ ل ف ه ت ن زي ل م ن ح كي م ح مي دٍ ﴾ ) سورة فصلت اليات 14 – 24 ( أي ل
:
َْ ِ ِ َْ ِ ٌ ِ ْ َ ِ ٍ َ ِ
يقربه شيطان من شياطين النس والجن، ل بسرقة، ول بإدخال ما ليس
منه به، ول بزيادة ول نقص، فهو محفوظ في تنزيله، محفوظة ألفاظه
ومعانيه، قد تكفل من أنزله بحفظه 7 .
وقال الطبري : » ل ي س ت طي ع ذو با ط ل ب ك ي د ه ت غ يي ر ه ب ك ي د ه، و ت ب دي ل ش ي ء
َ َ َْ ِ ُ ُ َ ِ ٍ ِ َْ ِ ِ َ ِْ َ ُ ِ َْ ِ ِ ََْ ِ َ َ ْ ٍ
م ن م عا ني ه ع ما ه و ب ه، و ذ ل ك ه و ا لِ ت يا ن م ن ب ي ن ي د ي ه، و ل إ ِ ل حا ق ما ل ي سَ
ِ ْ َ َ ِ ِ َ ّ ُ َ ِ ِ َ َِ َ ُ َ ْ َْ ُ ِ ْ َْ ِ َ َْ ِ َ َ ْ َ َ َ َْ
م ن ه في ه، و ذ ل ك إ ِ ت يا ن ه م ن خ ل ف ه «8 .
ِْ ُ ِ ِ َ َِ َ َْ ُ ُ ِ ْ َْ ِ ِ
و هذه الية نص في عدم تحريف القرآن و عدم تبديله ؛ لن التحريف و
التبديل من أظهر الباطل ، و القرآن ل يأتيه الباطل .
6
7
8
تفسير الطبري 81/41 تفسير السعدي ص 057 تفسير الطبري 81/521
13. و قال تعالى : ﴿ وا ع ت ص موا ب ح ب ل ال ل ه ج ميعا ول ت ف ر قوا ﴾ ) سورة آل
َ َ َ ّ ُ
ِ َْ ِ ّ ِ َ ِ
َ َْ ِ ُ
عمران الية 301 ( و العتصام بالكتاب يستلزم عدم تحريفه و تبديله و
نقصه إذ لو كان القرآن سيحرف أو يبدل لما كان للمر بالعتصام
بالقرآن معنى إذ ل يجوز على ا – عز وجل - أن يأمر الناس
بالعتصام و التمسك بالقران بما ل يقدرون علی العتصام و التم سك به
ّ
.
و قال تعالى : ﴿ ف إن ت نا ز ع ت م في ش ي ء ف ر دو ه إ ِ لى ال ل ه وال ر سو ل ﴾
ّ ِ َ ّ ُ ِ
َ ْ ٍ َ ُ ّ ُ َ
َِ ََ َ ُْ ْ ِ
) سورة النساء من الية 95 ( و المر بالرد للكتاب و السنة يستلزم
حفظ الكتاب و السنة إذ ل معنى للرد للكتاب و السنة لفض النزاع و
هما غير محفوظين .
َ ْ َ ُ
و قا ل النبي ص لى ا ع ل ي ه و س ل م - : » ت ر ك ت في ك م ما ل ن تَ ض لوا ب ع د ه
ِّ
َ َ ْ ُ ِ ُ ْ َ َ ْ
ُ ََْ ِ َ َّ َ
ََّ َ
إ ِ ن ا ع ت ص م ت م ب ه ك تا ب ا «9 ، و هذا يقتضي أن يكون كل القرآن الكريم
ِ
ِ َْ َ ُْ ْ ِ ِ َِ ُ
قد كتب في عهد النبي - ص لى ا ع ل ي ه و سَ ل م - ح تى يص ح إطلق اسم
ّ
ّ
ُ ََْ ِ َ ّ َ
َّ
الكتاب عليه ، ويقتضي أيضا وجود القرآن كما كان في عهد النبي - ص لى
َّ
ا ع ل ي ه و س ل م – ليحصل به الهداية من الضلل إذ ل معنى للمر
ُ ََْ ِ َ َّ َ
بالتم سك بالقرآن ، والقرآن س يح رف ويب دل في يو م ما أي المر بالتمسك
ٍ
ّ
ُ ّ
ّ
بالقرآن يستلزم عدم تحريف القرآن و يستلزم عدم تبديله فل يجوز أن
يأمر الناس بالتم سك بما ل يقدر علی التم سك به .
ّ
ّ
و الواقع التاريخي يثبت عدم وقوع التحريف و التغيير بالقرآن الكريم
فقد قيض ا – سبحانه وتعالى - للقرآن حفظة قراء في كل زمان
ُ
9 - من حديث طويل رواه مسلم في صحيحه 688/2 حديث رقم 8121 با ب ح ج ة ال ن ب ي ص لى ا
َ ُ َ ّ ِ ِّ ّ َّ
ََْ ِ َ َّ َ
عليه وسلم
31
14. بحيث لو زيد فيه حرف واحد لخرجه آلف من الطفال الصاغر ، فض ل ً
عن القراء الكابر .
و قد كتب القرآن على عهد النبي - صلى ا عليه وسلم - ، و جمع ما
كتب عند أبي بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب، ثم كان المصحف المام
الذي كتب في خلفة عثمان بن عفان كما هو معلوم، فحفظ القرآن في
السطور و حفظ في الصدور على مر القرون .
و العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع
العظام، والكتب المشهورة، وأشعار العرب المسطورة، فإن الغاية
اشتدت والدواعي توفرت على نقله وحراسته وبلغت إلى حد لم تبلغه
فيما ذكرناه ؛ لن القرآن مفخر النبوة ومأخذ العلوم الشرعية والحكام
الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى
عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته فكيف
يجوز أن يكون مغيرا أو منقوصا مع العناية الصادقة والضبط الشديد 01.
و العلم بتفصيل القرآن و أبعاضه في صحة نقله كالعلم بجملته وجرى
ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنفة ككتاب سيبويه والمزني
فإن أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلها ما يعلمونه من
جملتها حتى لو أن مدخل أدخل في كتاب سيبويه بابا من النحو ليس من
الكتاب لعرف وميزانه ملحوق وأنه ليس من أصل الكتاب وكذا القول
في كتاب المزني ومعلوم أن العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من
العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء11.
01
11
تفسير اللوسي 52/1 تفسير اللوسي 52/141
15. وانظر اليوم في هذا العالم شرقه وغربه لترى العدد الهائل الذي يحفظ
القرآن عن ظهر قلب ، بحيث لو شاء ملحد أو يهودي أو صليبي تغيير
حرف منه فإ ن صبيا صغيرا، أو ربة بيت، أو عجوزا ل يبصر طريقه -
ّ
يستطيعون الر د عليه وبيان خطئه، وافترائه، ناهيك عن العلماء الذين
ّ
21
حفظوه وفقهوا معانيه، وتشبعوا بعلومه .
و إذا رأينا في عصرنا الكثير من أطفال المسلمين يحفظون القرآن عن
ظهر قلب و الكثير من المسلمين كبارا وصغارا رجال و نساءا يحفظون
القرآن فلشك أن المسلمين الوائل كانوا أكثر حفظا للقرآن ؛ لنهم
أقوى حفظا و أكثر فهما للكلم العربي فضل عن تعلمهم من النبي -
صلى ا عليه وسلم - .
و بالتالي يظهر كذب و بهتان من يقول أن القرآن الذي بأيدينا قد
اعتراه النقص مع وجود حفاظ للقران في كل عصر و مع كتابة
المصحف و شيوع كتابة المصحف و انتشار المصاحف المكتوبة في
الفاق و مع قراءة القرآن في الصلوات ووجود آلف القراء و الحفظة
في كل عصر و في كل مصر .
ولم يزل المسلمون جيل بعد جيل يتعبدون بتلوة القرآن آناء الليل،
وأطراف النهار، ويتدارسونه بينهم ، فيحفظونه ويكتبونه - ولم تكن
الكتابة إل وسيلة من وسائل حفظه و إل فإن الصل أن القرآن في
صدورهم - , و يرون ذلك من أفضل الطاعات والعمال من عصر
النبوة إلى عصرنا هذا .
21
الرسل والرسالت لعمر الشقر ص 24251
16. ولم ينقل المسلمون القرآن لنا وحده كي يمكن فرض تطرق التحريف
ُ
إليه ، بل نقل تفسير آياته ، ومعاني كلماته ، وأسباب نزوله ، وإعراب
كلماته ، وشرح أحكامه ، و كل من هذا شأنه ل يمكن تغييره ول إسقاط
شيء منه، ولنه لو كان فيه تحريف بتغيير أو نقصان لم يبق وثوق
بالحكام و في هذا هدم للدين .
و قد أجمع المسلمون أن القرآن الذي بين أيدينا محفوظ من الضياع و
التحريف و الزيادة و النقصان و أن من اعتقد خلف ذلك كفر .
قال القاضي عياض : » و قد أ َ ج مع ا ل م س ل مون أ َ ن ا لْ قُ رآن ا لْ م ت ل و في
َُْ ّ ِ
ْ
ّ
ْ ُ ِْ ُ
ْ َ
َ َ
ج ميع أ َ ق طار ا ل َرض ا ل م ك توب في ا ل م ص حف ب أ ي دي ا ل م سْ ل مين م ما جَ مَ عه
َ
ِ ّ
ْ ُ ِ ِ
َِْ ِ
ْ ُ ْ َ
ِ
ْ َ ُْ
ْ
ْ َ
َ ِ
ُ ْ ُ ُ
ال د ف تان من أ َ ول ﴿ ا ل ح م دُ ل ل ه ر ب العالمين ﴾ - إ ِ لى آ خر - ﴿ ق ل أ َ عو ذ
ِ
َ
ْ َ ْ ِّ ِ َ ّ
ّ
ّ َّ
ب ر ب ال نا س ﴾ إ ِ نه ك لم ال له و و ح يه ال م ن زل ع لى ن ب يه م ح مد ص لى ال له
ّ
ََِّّ ُ َ ّ
ََ
َُ ّ
ّ َ َ ُْ
ّ َ َ
ِ
ِ َ ّ ّ
ع ل يه و س لم -و أ َ ن ج ميع ما فيه ح ق و أ َ ن من ن قص م نه حَ ر فا قا ص دا
ْ ً َ ِ ً
ِْ
َ َ
َ ّ َ ّ
َ ِ
َ ّ َ ِ
ََْ َ َّ
ل ذ لك أو ب د له ب ح رف آ خر م كا نه أو زاد فيه ح ر فا م ما لم ي ش ت مل ع ل يه
ََْ
َ ْ ً ِ ّ َ َ َْ ِ
ِ
َ َ َ َ َ َ
ِ َِ َ َ َّ ِ َ ْ
ال م ص حف ا ل ذي و قع ا لِ ج ماع ع ل يه و أ ُ ج مع ع لى أ َ نه لَ يس من ا ل ق رآن
ْ ُ ْ
ِ
ْ
ّ
ََ
ْ ِ
ََْ
ْ َ
َ َ
ّ ِ
ُ ْ َ
عا م دا ل ك ل ه ذا أ َ نه كا فر «31 .
َ ِ ً ِ ُ ّ َ َ ّ َ ِ
وقال عبد القاهر البغدادي : » واكفروا - أي أهل الس نة - من زعم من
ّ
ِ َ َ
الرافضة أن ل ح جة ا ل ي وم في ا ل ق رآن وال سنة لدعواه في ها أن ال ص حا بة
ّ َ َ
ّ
َ
ْ ُ ْ
ِ
َْ ْ
ّ
َ َ
غيروا بعض ا ل ق رآن وحرفوا بعضه «41 .
ْ ُ ْ
و قال ابن حزم : » القول بأن بين اللوحين تبدي ل ً كفر صريح وتكذيب
ُ
51
لرسول ا - صلى ا عليه وسلم - «
31 - الشفا للقاضي عياض 503/2
41 - الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية للبغدادي ص 513
51 - الفصل في الملل والنحل لبن حزم 22/5
61
17. و قال ابن قدامة : » واتفق المسلمون على عدد سور القرآن وآياته
وكلماته وحروفه ول خلف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن
سورة أو آية أو كلمة أو حرفا متفقا عليه أنه كافر « 61.
و قال القرطبي : » ل خلف بين المة ول بين الئمة أهل السنة أن
القرآن اسم لكلم ا تعالى الذي جاء به محمد - صلى ا عليه وسلم
معجزة له ، وأنه محفوظ في الصدور، مقروء باللسنة، مكتوب فيالمصاحف، معلومة على الضطرار سوره وآياته، مبرأ من الزيادة
والنقصان حروفه وكلماته، فل يحتاج في تعريفه بحد، ول في حصره
بعد، فمن ادعى زيادة عليه أو نقصانا منه فقد أبطل الجماع ، وبهت
الناس ، ورد ما جاء به الرسول - صلى ا عليه وسلم - من القرآن
المنزل عليه «71.
وقال شيخ السلم ابن تيمية : » و كذلك - أي في الحكم بتكفيره - من
زعم منهم أن القرآن نقص منه آيات وكتمت، أو زعم أن له تأويلت
باطنة تسقط العمال المشروعة ونحو ذلك، وهؤلء يسمون القرامطة
والباطنية ومنهم التناسخية، وهؤلء ل خلف في كفرهم « .
81
و على ما تقدم من أدلة تثبت عدم تحريف القرآن و عدم تطرق الزيادة
أو النقصان إليه يتبين كفر من أدعى أن هناك سورة أسقطت من
المصحف فمن أدعى أن سورة النورين كانت في المصحف و أسقطت
فهو كافر .
61
71
81
لمعة العتقاد لبن قدامة ص 12 تفسير القرطبي 08/1 الصارم المسلول لبن تيمية ص 685.71
18. لن معنى القول بتحريف القرآن تكذيب ا – عز وجل – و تكذيب رسوله
ص لى ا ع ل ي ه و س ل م – للخبر بحفظ القر آن من التحريف ،و تحريف
ُ ََْ ِ َ َّ َ
َّالقرآن يستلزم هدم الشريعة ؛ لن القرآن لو كان محرفا لم يب ق لنا
َ
اعتماد على شيء منه إذ على هذا يحتمل في كل آية منه أن يكون
مح رفا ومغ يرا، ويكون على خلف ما أنزل ا، فلم تبق لنا في القرآن
ّ
ّ
ح جة أص ل ً فتنتفي فائدته وفائدة المر بإتباعه والوصية بالتمسك به إلى
ّ
غير ذلك .
خصائص سور القرآن
مما تميز به كتاب ا أنه كلم ا ل يشبه كلم البشر و ل يشبه الشعر،
ول يشبه النثر ول الرسائل البائن على كل كلم ، بزغ السماع و
الفهام، الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه، تنزيل من حكيم
حميد، الذي عجزت النس والجن أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض
ظهيرا.
كتاب جمع فيه النظم، والعجاز، والبسط واليجاز، والفصاحة، والبلغة،
والتحذير، والزجر، والمر بكل طاعة، وتكرمة وأدب، والنهي عن كل
منكر، وسرف ومعصية، وفعل قبيح مذموم، والتعبد بكل فعل شريف
مذكور من طهارة، وصلة، وصيام، وزكاة، وحج وجهاد وصلة الرحام،
والبذل والعطاء، والصدق والوفاء، والخوف والرجاء، وما يكثر تعداده
مما ل يحصى 91.
91
العتقاد لبن أبي يعلى ص 6381
19. و من خصائص القرآن أنه محفوظ من الضياع و التحريف و الزيادة و
النقصان و قد قال تعالى : ﴿ إ ِ نا ن ح ن ن ز ل نا ال ذ ك ر و إ ِ نا ل ه ل حا ف ظو ن ﴾ )
ّ ْ َ َ ّ َ ُ َ َ ِ ُ َ
ّ َ ْ ُ َ َّْ
الحجر الية 9 (
و من خصائص القرآن أنه معجز بكل ما يتحمله هذا اللفظ من معنى :
فهو م عجز في ألفاظه و أسلوبه ، والحرف الواحد منه في موضعه من
ُ ْ
العجاز الذي ل يغني عنه غيره في تماسك الكلمة، والكلمة في
موضعها من العجاز في تماسك الجملة، والجملة في موضعها من
العجاز في تماسك الية .
وهو م عجز في بيانه ونظمه، يجد فيه القارئ صورة حية للحياة والكون
ُ ْ
والنسان .
وهو معجز في معانيه التي كشفت الستار عن الحقيقة النسانية
ُ
ورسالتها في الوجود .
وهو معجز بعلومه ومعارفه التي أثبت العلم الحديث كثي را من حقائقها
ً
ُ
المغيبة .
وهو معجز في تشريعه وصيانته لحقوق النسان وتكوين مجتمع مثالي
ُ
تسعد الدنيا على يديه02 .
و رغم أن القرآن من جنس ما تكلم به العرب إل أنه يستحيل أن يأتي أحدا
بمثله في البيان و الحلوة و الحسن و الكمال و العذوبة و أداء المعنى
02
مباحث في علوم القرآن لمناع القطان ص 452 - 55291
20. المراد مع حرص العرب ، و غير العرب على معارضته فلما عجزوا عن
التيان بمثله علم أنه ليس قول البشر قال تعالى : ﴿ أ م ي قو لو ن ا فْ ت را هُ
َ َ
ْ َ ُ ُ َ
ُ ُ ْ
ق ل ف أ تو ا ب سو ر ة م ث ل ه وا د عو ا م ن ا س ت ط ع تم من دو ن ال ل ه إن كن ت م
ّ
َْ َ ُْ
ُ ْ َُْ ْ ِ ُ َ ٍ ِّْ ِ َ ْ ُ ْ َ ِ
ُ ِ ّ ِ ِ
صا د قي ن ﴾ ) سورة يونس الية 83 ( .
َ ِ ِ َ
و من خصائص القرآن أنه نقل إلينا بالتواتر فقد نقل القرآن إلينا آلف
عن آلف بحيث يستحيل تواطئهم على الكذب .
و في القرآن نجد أن ا اصطفى ا من ألفاظ اللغة العربية أفصحها
وأيسرها على اللسان، وأسهلها على الفهام, وأمتعها للذان، وأقواها
تأثي را على القلوب, وأوفاها تأدية للمعاني، ثم ر ك بها تركي با محكم
ً
َّ
ً
البنيان، ل يدانيه في نسجه كلم البشر من قريب ول من بعيد، وذلك لما
يكمن في ألفاظه من اليحاءات التي تعبر إلى خلجات النفس، وتق ت حم
َ ِ
شغاف القلوب .
وما يكون في تركيبه من ألفة عجيبة، وانسجام وثيق بين هذه اللفاظ,
مهما تقاربت مخارج حروفها أو تباعدت .
فقد جاء رصف المباني وفق رصف المعاني، فالتقى البحران على أمر
قد ق د ر، فاستساغته جميع القبائل على اختلف لهجاتها قراءة وسما عا
ً
ُ ِ َ
.
واستسلمت لهذا النسق الفريد، والترتيب العجيب أساطين البلغة في كل
زمان ومكان، واستم دت منه النفوس المؤمنة روحها وريحانها، فلم يشبع
ّ
من دراسته العلماء، ولم يم ل تلوته أحد من التقياء12 .
ّ
12
دراسات في علوم القرآن لمحمد بكر إسماعيل ص 82302
21. و من خصائص القرآن أن قارئه ل يمله ، وسامعه ل يمجه، بل النكباب
على تلوته يزيده حلوة ، و ترديده يوجب له محبة و طلوة ، ل يزال
غ ضا طر يا ، و غيره من الكلم و لو بلغ في الحسن والبلغة ما بلغ يمل
ّ
ّ
مع الترديد ، و يعادى إذا أعيد ، و كتابنا يستلذ به في الخلوات ، و
يؤنس بتلوته في الزمات ، وسواه من الكتب ل يوجد فيها ذلك ،حتى
أحدث أصحابها لها لحونا وطرقا ، يستجلبون بتلك اللحون تنشيطهم
على قراءتها 22 .
و تميز القرآن بالقصد في اللفظ مع وفائه بالمعنى ومعنى هذا إنك في
كل من جمل القرآن تجد بيانا قاصدا مقدرا على حاجة النفوس البشرية
من الهداية اللهية دون أن يزيد اللفظ على المعنى أو يقصر عن الوفاء
بحاجات الخلق من هداية الخالق ومع هذا القصد اللفظي البريء من
السراف والتقتير تجده قد جلى لك المعنى في صورة كاملة ل تنقص
شيئا يعتبر عنصرا أصليا فيها أو حلية مكملة لها كما أنها ل تزيد شيئا
َِ ٌ ْ ِ َ ْ َ ُ ُ
يعتبر دخيل فيها وغريبا عنها بل هو كما قال ا : ﴿ ك تا ب أ ُ ح ك م ت آ يا ت ه
ث م ف ص ل تْ م ن ل د ن ح كي م خ بي ر ﴾ .
ِ ْ َ ُ ْ َ ِ ٍ َِ ٍ
ُ ّ ُ َّ
ول يمكن أن تظفر في غير القرآن بمثل هذا الذي تظفر به في القرآن
بل كل منطيق بليغ مهما تفوق في البلغة والبيان تجده بين هاتين
الغايتين كالزوج بين ضرتين بمقدار ما يرضي إحداهما يغضب الخرى
فإن ألقى البليغ باله إلى القصد في اللفظ وتخليصه مما عسى أن يكون
من الفضول فيه حمله ذلك في الغالب على أن يغض من شأن المعنى
فتجيء صورته ناقصة خفية ربما يصل اللفظ معها إلى حد اللغاز
والتعمية .
22 - المواهب اللدنية بالمنح المحمدية للقسطلني 742/2
12
22. و إذا ألقى البليغ باله إلى الوفاء بالمعنى وتجلية صورته كاملة حمله
ذلك على أن يخرج عن حد القصد في اللفظ راكبا متن السهاب والكثار
حرصا على أن يفوته شيء من المعنى الذي يقصده ولكن ينذر حينئذ أن
يسلم هذا اللفظ من داء التخمة في إسرافه وفضوله تلك التخمة التي
تذهب ببهائه ورونقه وتجعل السامع يتعثر في ذيوله ل يكاد يميز بين
زوائد المعنى وأصوله .
وإذا افترضنا أن بليغا كتب له التوفيق بين هاتين الغايتين وهما القصد
في اللفظ مع الوفاء بالمعنى في جملة أو جملتين من كلمه فإن الكلل
والعياء ل بد لحقا به في بقية هذا الكلم وندر أن يصادفه هذا
التوفيق مرة ثانية إل في الفينة بعد الفينة كما تصادف النسان قطعة
من الذهب أو الماس في الحين بعد الحين وهو يبحث في التراب أو
ينقب بين الصخور 32 .
و من خصائص القرآن أنه قد جمع بين الجمال والبيان مع أنهما غايتان
متقابلتان ل يجتمعان في كلم واحد للناس بل كلمهم إما مجمل وإما
مبين ؛ لن الكلمة إما واضحة المعنى ل تحتاج إلى بيان وإما خفية
المعنى تحتاج إلى بيان .
ولكن القرآن وحده هو الذي انخرقت له العادة فتسمع الجملة منه وإذا
هي بينة مجملة في آن واحد أما أنها بينة أو مبينة بتشديد الياء وفتحها
فلنها واضحة المغزى وضوحا يريح النفس من عناء التنقيب والبحث
لول وهلة فإذا أمنعت النظر فيها لحت منها معان جديدة كلها صحيح أو
محتمل لن يكون صحيحا وكلما أمنعت فيها النظر زادتك من المعارف
والسرار بقدر ما تصيب أنت من النظر وما تحمل من الستعداد على حد
قول القائل :
يزيدك وجهه حسنا ... إذا ما زدته نظرا
32
مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني 423/222
23. ولهذا السر وسع كتاب ا جميع أصحاب المذهب الحضر من أبناء البشر
ووجد أصحاب هذه المذاهب المختلفة والمشارب المتباينة شفاء
أنفسهم وعقولهم فيه وأخذت الجيال المتعاقبة من مدده الفياض ما
جعلهم يجتمعون عليه ويدينون به ول كذلك البشر في كلمهم فإنهم إذا
قصدوا إلى توضيح أغراضهم ضاقت ألفاظهم ولم تتسع لستنباط وتأويل
وإذا قصدوا إلى إجمالها لم يتضح ما أرادوه وربما التحق عندئذ باللغاز
وما ل يفيد 42 .
و من خصائص القرآن مراعاة الفواصل التي بين اليات لما فيه من
روعة البيان، وحسن الوقع على السمع ، وأحيانا تختلف الفواصل التي
بين اليات للفت النتباه إلى معنى خاص إيثارا لما هو ألصق بالمعنى
الخاص، وأشد وفاء بالمعنى المراد .
و الفواصل التي بين اليات ل تقصد لذاتها، وإنما تتبع المعاني، بينما
نظائرها في كلم الناس تقصد لذاتها، ويتوقف عليها المعنى، وعلى ذلك
فالفواصل التي بين اليات بلغة ، ونظائرها عجز و نقص .
و القرآن الكريم تميز بحسن النظم ، وبراعة السلوب و جمال العبارة
و عذوبة اللفاظ و فصاحة الكلمات و روعة التعبير والقصد في اللفظ
مع وفائه بالمعنى و الجمال الصوتي للكلم .
42
مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني 323/232
24. نقد رواية سورة النورين المزعومة و المقارنة بينها و بين رواية سور
القرآن
عند البحث عن سورة النورين نجدها قد وجدت في كتاب مجهول المؤلف
فالعلماء اختلفوا في مؤلفه ،و ل يقدر أحد أن يذكر لهذه السورة سندا
ولو كان ضعيفا ، و بالمقابل نجد أن القرآن مقطوع بنسبته إلى ا أي
صحيح السند إلى المتكلم به .
نعود و نقول أن سورة النورين وجدت في كتاب فالمصدر المعول عليه
هو الكتاب أي أنها نقلت عن طريق الكتابة أضف إلى ذلك ل سند لهذه
السورة أما القرآن فنقل بالسماع و التلقي و نقله آلف عن آلف لذلك
فالقرآن متواتر أما سورة النورين فغير متواترة .
و بعض الناس زعم أن سبب تواتر القرآن نقله بالكتابة في العصر
النبوي ، و الحق خلف ذلك فالتواتر، إنما جاء في القرآن الكريم من
جهة لفظه ونقله ، فقد تلقاه عن ال ن بي ص لى ا ع ل ي ه و س ل م – و
ُ ََْ ِ َ َّ َ
َِّّ
ح ف ظ ه اللوف من الصحابة .
َ ِ َ ُ
وعن هؤلء أخذ اللوف المؤ لفة من التابعين، وهكذا تلقاه العدد
ّ
الكثير الذين يثبت بهم التواتر عن العدد الكثير حتى وصل إلينا متواترا،
وسيستمر كذلك حتى يرث ا الر ض ومن عليها، فال م ع و ل عليه في
ُ َ ّ ُ
َ
ُ
تواتر القرآن هو الحفظ والتلقي الشفاهي ل الخذ من الصحف.
42
25. أما الكتابة فقد كانت من دواعي الثبوت والحفظ ليجتمع للقرآن
الوجودان : الوجود في الصدور ، و الوجود في الصحائف والسطور،
كما كانت معتمد الجامعين للقرآن في الصحف والمصاحف في عهدي
أبي بكر وعثمان -ر ض ي ا ع ن ه ما - فقد كانوا حريصين أ ن يكتبوه من
ْ
ُ َْ ُ َ
َ ِ َ
عين ما ك ت ب بين يدي ال ن بي ص لى ا ع ل ي هِ و سَ ل م -.
ُ ََْ َ ّ َ
َِّّ
ُِ َ
ولو أ ن ال س نة د و ن ت في العهد النبوي، ولكن لم يحفظها من يقوم بهم
ُّ ُ َّ ْ
ّ
التواتر لما جاءت كلها متواترة - كما زعم - ، فالعبرة في التواتر وعدمه
إنما هو رواية الكثيرين أو عدم روايتهم، ومع أ ن ال سُ نة لم ت د و ن في
ُ َ ّ ْ
ّ
ّ
ُ
العصر النبوي فقد جاء بعضها متواترا، وإ ن كان قلي ل، ولو أ ن ال م عَ وّ ل
ُ
ّ
ً
ْ
عليه في التواتر الكتابة لكانت الكتب التي د و ن ت وأحيطت بالعناية
ُ َّ ْ
52
والدقة كلها متواترة وأنى هي؟
و بعض الناس يتوهم من قراءته القاصرة لبعض كتب العلماء أن من
عرفوا بحفظ القرآن من الصحابة قليلون ، وهذا ل يصح ؛ لن معرفتنا
عدد معين من الصحابة قد حفظ القرآن ل يمنع أن يكون غيرهم قد
حفظ القرآن فليس معنى عدم العلم العدم .
و المعروفون بحفظ القرآن من الصحابة هم المشهورون بحفظ
القرآن و عدم الشهرة بحفظ القرآن ل تستلزم عدم الحفظ ، وفي
عصرنا آلف مؤلفة يحفظون القرآن لكن المشهور بالحفظ منهم قليل
.
و حال الصحابة يشهد بأن الكثير منهم قد حفظ القرآن فقد كانوا
يهتمون بالقرآن و يحبونه و يتدارسونه و يحرصون عليه أكثر منا و في
العصور التي بعد الصحابة إلى عصرنا وجدنا آلف مؤلفة من الناس
52 - دفاع عن ال س نة ورد شبه ال م س ت ش ر قي ن والكتاب المعاصرين ص 45- 55
ُ َْ ْ ِ ِ َ
ُّ
52
26. يحفظون القرآن فكيف بالصحابة و هم كانوا أشد تدينا و أقوى ذاكرة و
عجيب بمن يصدق أن أطفال ل يتجاوزن السادسة من عمرهم يحفظون
القرآن و ل يصدق أن يحفظ القرآن الكثير من الصحابة ؟!!
و نخلص من هذا الكلم أن سورة النورين ل تواتر و ل سند من حيث
الرواية بخلف القرآن فإنه متواتر مقطوع السند إلى ا .
نقد متن سورة النورين والمقارنة بينه و بين سور القرآن
و سورة النورين من حيث الدراية و اللغة و النظم فحدث و ل حرج ،
فقد تميزت كلمات سورة النورين و ألفاظها بالركاكة و عدم الفصاحة و
التناسق وهذا بعيد عن ألفاظ القرآن الفصيحة الرفيعة .
و انظر على سبيل المثال في هذه السورة المزعومة: " يا أيها الذين
آ منوا آ منوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي ويحذرانكم عذاب يوم
ِ
َ
عظيم نوران بعضهما من بعض وأنا السميع العليم إن الذين يعرفون
بعهد ا ورسوله في آيات لهم جنات نعيم والذين كفروا من بعدما آمنوا
بنقضهم ميثاقهم وما عاهدهم الرسول عليه يقذفون في الجحيم ظلموا
أنفسهم وعصوا الوصي الرسول أولئك يسقون من حميم إن ا الذي
ن ور السموات والرض بما شاء واصطفى من الملئكة وجعل من
ّ
62
27. المؤمنين أولئك من خلقه يفعل ا ما يشاء ل إله إل هو الرحمان
الرحيم ...".
و هكذا ل نجد في سورة النورين المزعومة الجمال الصوتي و ل حسن
نظم ،و ل مسحة من جمال لغوي و ل مسحة من جمال صوتي ،و كلم
سورة النورين ليس عليه حلوة و من يقرأه يشمئز منه و يفضل قطع
القراءة فضل عن تكرار القراءة أما كلم ا له رنة غريبة و حلوة
عجيبة فقارئه ل يمله ، وسامعه ل يمجه، بل النكباب على تلوته يزيده
حلوة ، و ترديده يوجب له محبة و طلوة .
و تميزت معاني سورة النورين المزعومة بالغموض بل هناك ألفاظ ل
توضح المعنى و ل تفي بالمعنى فكلم السورة مجرد كلم مسجوع
غامض المعاني أو غير وفي المعنى أما كلم ا فواضح المعاني و
ألفاظه تفي المعنى فكلم ا كلم موزون جاذب لمعا ن لها قيمتها في
ٍ
الخبر .
و انظر على سبيل المثال في هذه السورة المزعومة : " إن الذين
يعرفون بعهد ا ورسوله في آيات " لفظ ) في آيات ( مبهم غير واضح
المعنى فما هي هذه اليات ؟
و انظر : " إن ا الذي ن ور السموات والرض بما شاء واصطفى من
ّ
الملئكة وجعل من المؤمنين أولئك من خلقه " لفظ ) إن ا الذي ن ور
ّ
السموات والرض بما شاء ( غير تام المعنى فأين خبر إن ؟ ،و لفظ )
واصطفى من الملئكة ( مبهم غير تام المعنى كلم ناقص ل يعطي أي
معنى مفيد فمن الذين اصطفاهم ا من الملئكة ؟ ، و لفظ ) وجعل
من المؤمنين ( مبهم غير تام المعنى كلم ناقص ل يعطي أي معنى
مفيد فماذا جعل من المؤمنين؟ ، ولفظ ) أولئك من خلقه ( مبهم فمن
هم الذين من خلقه ؟ وعلم يعود اسم الشارة أولئك ؟ و ما المقصود
72
28. بمن خلقه ؟ و لو كان لفظ أولئك يعود على الملئكة و المؤمنين فما
الفائدة من ذكر هذا الكلم و كل العالمين خلق ا ؟ و هل شك أحد
في أن الملئكة والمؤمنين من خلق ا ؟
و انظر : " مثل الذين يوفون بعهدهم أني جزيتهم جنان النعيم " لفظ
) مثل الذين يوفون بعهدهم ( ي س ت د عي أ َ م را ي م ث ل ب ه ف ما ه و فالممثل به
ْ ً ُ َّ ُ ِ ِ َ َ ُ َ
َ َْ ْ ِ
مبهم ؟و إن قيل المثل هنا بمعنى الوصف فالمعنى ل يستقيم مع آخر
الكلم إذ يصير الكلم وصف الذين يوفون بعدهم أني جزيتهم جنان
النعيم .
و انظر : " ولقد أرسلنا موسى وهارون بما استخلف فبغوا هارون
فصبر جميل " فعلم يعود واو الجماعة في كلمة ) بغوا ( أي من هم
الذين بغوا ؟ , و لفظ ) فصبر جميل ( لمن المر بالصبر الجميل ؟
و انظر : " ولقد أتينا بك الحكم كالذي من قبلك من المرسلين وجعلنا
لك منهم وصيا لعلهم يرجعون" ما معنى ) أتينا بك الحكم ( ؟ وعلم
يعود الضمير هم في )) منهم (( و )) لعلهم (( و واو الجماعة في
)) يرجعون (( ؟.
و انظر : " إن ا يجمعهم يوم الحشر فل يستطيعون الجواب حين
يسألون " فعلم يعود الضمير هم في )) يجمعهم (( و واو الجماعة في
)) يستطيعون (( و )) يسألون (( ؟
82
29. و تميزت فواصل اليات في السورة المزعومة بقصدها لذاتها حتى و لو
لم يكن لها علقة بالمعنى أما الفاصلة في القرآن ل تقصد لذاتها، وإنما
تتبع المعانى، بينما نظائرها فى كلم الناس تقصد لذاتها، ويتوقف عليها
المعنى، وعلى ذلك فالفاصلة بلغة، ونظائرها عجز ونقص .
و انظر على سبيل المثال في هذه السورة المزعومة : " نوران بعضهما
من بعض وأنا السميع العليم " فما هي العلقة بين نور الرسالة
والنبوة ووصف ا بالسمع و العلم ؟!! و النبوة فضل من ا و منة من
ا يعطيها من يشاء من عباده قال تعالى : ﴿ قا لَ ت لَ ه م ر سُ ل ه م إن
َ
ْ ُ ْ ُ ُ ُ ْ ِ
َ َ َ ُ ِ ْ َِ ِ ِ َ َ َ َ
ن ح ن إ ِ ل ّ ب ش ر م ث ل ك م و لـ ك ن ال ل ه ي م ن ع لى من ي شا ء م ن ع با د ه و ما كا ن
َ َ ٌ ُّْ ُ ْ ََ ِ ّ ّ َ َ ُ ّ ََ
ّ ْ ُ
ل نا أن ن أ ت ي كم ب س ل طا ن إ ِ ل ّ ب إ ذ ن ال ل ه وع لى ال ل ه ف ل ي ت و ك ل ا لْ م ؤْ م نو ن ﴾
ُ ُِ َ
ّ ِ َََْ َ ّ ِ
ِِ ْ ِ ّ ِ َ َ
ََ َ َِّْ ُ ِ ُْ َ ٍ
) سورة إبراهيم الية 11 (
و انظر : " إن الجحيم مأواهم وإن ا حكيم عليم " ما العلقة بين
المكوث في النار و بين حكمة ا و علمه ؟!! و المكوث في النار يناسبه
وصف بئس المصير كما قال تعالى : ﴿ أ َ ف م ن ا ت ب ع ر ض وا ن ال ل ه ك من باء
َ َ ِ َّ َ ِ ْ َ َ ّ ِ َ َ َ
ب س خ ط م ن ال ل ه و م أ وا ه ج ه ن م و ب ئ س ا ل م صي ر ﴾ ) سورة آل عمران الية
ِ َ ْ ٍ ّ َ ّ ِ َ َْ َ ُ َ َّ ُ َِْ َ ْ َ ِ ُ
261(
و انظر : " إني لذو مغفرة وأجر عظيم. وإن عل يا لمن المتقين " ما
ّ
العلقة بين مغفرة ا و أجره العظيم ، وكون عليا من المتقين ؟
فالمفترض أن خاتمة الية المزعومة تكون مناسبة لما في الية ،
وشتان بين هذا الفك و قوله تعالى : ﴿ وآ ت ي نا ه في ا ل د ن يا ح س ن ة و إ ِ نّ هُ في
ِ
ْ َّْ َ ََ ً َ
َ ََْ ُ ِ
ال خ ر ة ل م ن ال صا ل حي ن ﴾ ) سورة النحل الية 221 ( ، و قوله تعالى : ﴿
ّ ِ ِ َ
ِ َ ِ َ ِ َ
و و ه ب نا ل ه إ ِ س حا ق و ي ع قو ب و ج ع ل نا في ذ ر ي ت ه ال ن ب و ة وا لْ ك تا ب وآ ت ي نا هُ
ُ ِّّ ِ ُّ ّ َ َ َِ َ َ ََْ
َ َ ََْ َ ُ ْ َ َ ََ ْ ُ َ َ َ ََْ ِ
أ َ ج ر ه في ال دّ ن يا و إ ِ ن ه في ا ل خ ر ة ل م ن ال صا لِ حي ن ﴾ ) سورة العنكبوت
ّ ِ َ
ْ ِ َ ِ َ ِ َ
َْ َ ّ ُ ِ
ْ َ ُ ِ
الية 72 ( ، و قوله تعالى : ﴿ و إ ِ ن إ ِ ل يا س لَ م ن ا ل م ر س لي ن ﴾ ) سورة
َ ِ ْ ْ ُ ْ َِ َ
َ ّ َْ
92
30. ُ َ َ ِ َ
الصافات الية 321 ( ، و قوله تعالى : ﴿ و قا سَ م ه ما إ ِ ني لَ ك ما ل م ن
َ ُ َ ّ
َ َ
ال نا ص حي ن ﴾ ) سورة العراف الية 12 (
ّ ِ ِ َ
و انظر : " إنا لهم محرضون في يوم ل يغني عنهم شيء ول هم
يرحمون " ما علقة إحضار العصاة يوم القيامة بعدم الرحمة ، ويوم
القيامة يوم الجزاء بالعدل و العدل أن يعذب العصاة ؟ ، و المفترض
أن يقال ل يدفع عنهم العذاب أي أحد ،و ل يستطيع أي أحد أن ينصرهم
َْ ُ ْ َْ ُ ُ ْ
وشتان بين هذا الفك ، و قوله تعالى : ﴿ ي و م ل ي غ ني ع ن ه م ك ي د ه م
َ ْ َ َ ُ ِْ
ش يئا و ل ه م ين ص رو ن ﴾ ) سورة الطور الية 64 ( و قوله تعالى : ﴿
َ َ ُ ْ ُ َ ُ َ
َْ
ي و م ل ي غ ني م و لى عن م و لى ش يئا و ل ه م ين ص رو ن ﴾ ) سورة الدخان
َ َ ُ ْ ُ َ ُ َ
َْ
ّ ًْ
َ
َ ًْ
َ ْ َ َ ُ ِْ
الية 14 (
و هكذا وجدنا سياق آيات سورة النورين المزعومة سياق مفكك،
وجمل سورة النورين المزعومة جمل ينبو بعضها عن بعض أي مجرد
كلم مسجوع ذي ألفاظ و كلمات ل رابط بينها و ل انسجام فض ل ً عن
المعنى الصحيح بينما نجد سياق آيات سور القرآن متناسب مع بعضه
البعض و نجد تلؤم الكلمات والحروف بما فيه من جمال المقال و
كمال الكلم .
و من حيث قواعد اللغة العربية و علم النحو فقد تميزت سورة النورين
المزعومة بمخالفة قواعد العراب فض ل ً عن الدب الرفيع ، و كأن
الكاتب أراد أن يأتي بكلم على وزن الكلمات القرآنية و إن لم يكن له
معنى و إن كان يخالف قواعد اللغة لظنه أن كلم ا ل يمتاز على كلم
البشر إل بفواصله أما القرآن فهو ل يخالف قواعد اللغة العربية و علم
النحو بل هو مصدر هام لقواعد اللغة العربية و علم النحو .
03
31. و انظر على سبيل المثال في هذه السورة المزعومة : " إن ا قد أهلك
عادا وثمود بما كسبوا وجعلهم لكم تذكرة فل تتقون " لفظ )) فل تتقون
(( الصواب أفل تتقون ، و على فرض أنه نهي فلبد جزم الفعل تتقون
بحذف النون أي فل تتقوا .
و انظر : " إن عل يا قان تا بالليل ساج دا يحذر الخرة " خبر إن يرفع و ل
ً
ً
ّ
ينصب و الصواب إن عليا قانت بالليل ساجد يحذر الخرة .
و انظر : " قد خسر الذين كانوا عن آياتي وحكمي معرضون " خبر كان
ينصب و ل يرفع و الصواب كانوا عن آياتي وحكمي معرضين .
و قد سرق كاتب سورة النورين المزعومة الكثير من ألفاظ و تعبيرات
القرآن ، و انظر على سبيل المثال في هذه السورة المزعومة : "" يا
أ يها الذين آمنوا آمنوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي
ّ
ويحذرانكم عذاب..." مقتبس و منحول من قوله تعالى : ﴿ يا أ َ ي ها ا ل ذي ن
َ ّ َ ّ ِ َ
َ ُ ِ َ ْ َِ ِ ّ ِ َ
آ م نو ا آ م نو ا بال ل ه و ر سو ل ه وا ل ك تا ب ا ل ذي ن ز ل ع لى ر سو لِ ه وا ل ك تا ب ا ل ذ ي
َُ ْ ُِ ْ ِ ّ ِ َ َ ُ ِ ِ َ ْ َِ ِ ّ ِ َ ّ َ ََ
ِ ِ َ َ ْ
أن ز ل من ق ب ل و من ي ك ف ر بال ل ه و م ل َئ ك ت ه و كُ ت ب ه و ر س ل ه وا لْ ي و مِ ال خ ر ف ق د
َْ ُ َ َ َ ْ ُ ْ ِ ّ ِ َ َ ِ َِ ِ َ ُِ ِ َ ُ ُِ ِ َ َ ْ
َ َ َ ِ
ض ل ض ل َل ً ب عيدا ﴾ ) سورة النساء الية 631(
َ ِ
َ ّ َ
و انظر : " إن عل يا قان تا بالليل ساج دا يحذر الخرة ويرجو ثواب ربه قل
ً
ً
ّ
هل يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون " مقتبس و منحول من
ِ َ َ
قوله تعالى : ﴿ أ َ م ن ه و قا ن ت آ نا ء ال ل ي ل سا جدا و قا ئما ي حْ ذ ر ال خ ر ة
َ َ ُ
َ َ ِ
ّ ْ ُ َ َ ِ ٌ َ َ ّْ ِ َ ِ
و ي ر جو ر ح م ة ر ب ه ق ل ه ل ي س ت وي ا ل ذي ن ي ع ل مو ن وا ل ذي ن ل َ ي ع ل مو ن ﴾
َ َْ ُ َ
ّ ِ َ َ َْ ُ َ َ ّ ِ َ
ََ ْ ُ َ ْ َ َ َّ ِ ُ ْ َ ْ َ َْ ِ
) سورة الزمر الية 9(
13
32. و انظر : " فسبح باسم ربك وكن من الساجدين " مقتبس و منحول من
قوله تعالى : ﴿ ف س ب ح ب ح م دِ ر ب ك و كن م ن ال سا جِ دي ن ﴾ ) سورة الحجر
ِ َ
ّ
ّ َ
َ َّ ْ ِ َ ْ َّ َ َ ُ
الية 89 (
و انظر : " و على الذين سلكوا مسلكهم مني رحمة وهم في الغرفات
آمنون " مقتبس و منحول من قوله تعالى : ﴿ و ما أ َ م وا ل ك م و ل أ َ وْ ل دُ كم
َ ُ
ْ َ ُ ُ ْ َ َ
َ َ
با ل تي ت ق ر ب ك م عن دَ نا ز ل فى إ ِ ل م ن آ م ن و ع م ل صا لحا ف أ و ل ئ كَ ل ه م ج زاء
َُ َِْ َ ُ ْ َ َ
ّ َ ْ َ َ َ َ ِ َ َ ِ
ُ َ ُّ ُ ْ ِ َ ُْ َ
ِ ِّ
ال ض ع ف ب ما ع م لوا و ه م في ا ل غ ر فا ت آ م نو ن ﴾ ) سورة سبأ الية 73 (
ْ ُ ُ َ ِ ُِ َ
َ ُ ْ ِ
ّ ْ ِ ِ َ َ ُِ
و انظر : " والحمد لله رب العالمين " مقتبس من قوله تعالى : ﴿
وا ل ح م د لِ ل ه ر ب ا ل عا ل مي ن ﴾ ) سورة الصافات الية 281(
َ ْ َ ْ ُ ّ ِ َ ّ ْ َ َ ِ َ
و تميزت سورة النورين المزعومة بأنها تحوي من الخطاء الصريحة
والغلط الواضحة في الكلم الكم الكثير :
و على سبيل المثال انظر : " يا أ يها الذين آمنوا آمنوا بالنورين أنزلناهما
ّ
يتلوان عليكم آياتي ويحذرانكم عذاب..." ، فهذا أمر للمؤمنين باليمان
بالنورين اللذين أنزل ليتلوا آيات الكتاب ، و المراد بهما شخصان هما
النبي - صلى ا عليه وسلم - و علي – رضي ا عنه - ، و هذا كذب
فمحمد - صلى ا عليه وسلم - هو المأمور وحده بأن يبلغ الناس و
هو خاتم النبياء و المرسلين و علي ليس إل صحابي كريم .
23
33. و لفظ )) أنزلناهما يتلوان عليكم (( الصواب أنزل إليهما كتاب ليتلواه
عليكم ؛ لن ا لِ ن زا ل : ن ق ل ا ل ج س م م ن ع ل و إ ِ لى سُ ف ل، و ي ط ل ق ع لى ت ذ لي لِ
َ ِْ
ْ ٍ َُ َْ ُ ََ
ْ ْ َ ُ َ ْ ُ ْ ِ ْ ِ ِ ْ ُْ ٍ َ
َ َُ َّ ُ
ا ل َم ر ال ص ع ب ك ما ي قا ل : ن ز لوا ع لى ح ك م ف ل ن، ل َن ا ل َم ر ال صّ عْ ب ي ت خ ي ل
ُ ْ ِ ُ َ ٍ ِ ّ ْ ْ َ
ََ
ّ ْ ِ َ َ ُ َ ُ َ َُ
ْ ْ ِ
ص ع ب ا ل م نا ل62 ،و النزال يطلق على ما ينزل من السماء إلى الرض
َ ْ َ ْ ََ ِ
كالقرآن ، الملك ، والمطر ، و الرزق .
ويقال: أنزل ا الشئ من نعمة أو نقمه : خلقه أو هدي إليه وذلك أن
هذه الشياء ترجع إلي أسباب سماوية كالمطر وأشعة الكواكب، أو أنها
مفضية مكتوبة في اللوح المحفوظ وتنزل الملئكة الموكلة بإظهارها
في العالم السفلي، فينسب النزال بذلك إليها، ومن ذلك إنزال النعام،
وإنزال الحديد، وأنزل اللباس هداية الناس إليه مع أن أسبابه من
السماء فهو من القطن ونحوه، وهو يفتقر إلي المطر، وإنزال الميزان
هداية الناس إليه أو المر به في الكتب المنزلة ، وأنزل المسافر: هيأ
له مكانا ينزل فيه، وأعانه علي النزول72.
و انظر : " نوران بعضهما من بعض وأنا السميع العليم " كيف يكون
نور محمد النبي - صلى ا عليه وسلم - من نور علي – رضي ا عنه –
الصحابي ؟! .
و انظر : " ظلموا أنفسهم وعصوا الوصي الرسول أولئك يسقون من
حميم " هذا فيه إيهام بأن عليا رسول من رسل ا و هذا باطل ، وكيف
يعصون الوصي و هو علي و العصيان في وقت النبوة كان عصيان لله و
رسوله محمد - صلى ا عليه وسلم - ؟!!.
62
72
التحرير و التنوير 233/32 مخطوطة الجمل لحسن الجمل 74/533
34. و انظر : " ليكون لكم آية وإن أكثركم فاسقون ل يصح بحال مخاطبة
"
أهل اليمان بالفسق ، و لو كان المراد بالفاسقين الكفار فكل الكفار
فساق فيكون التحديد بالكثرية غير صحيح و لو كان المراد بالفاسقين
أهل النفاق فالمنافقين كلهم فساق .
و انظر : " فبغوا هارون " الصواب فبغوا على هارون ف ب غى على يب غي،
َ ِ
َ
ا ب غ، ب غ يا، فهو با غ، والمفعول م بغ ي عليه 82 و ي قا ل :ف ل ن ي ب غي ع لى
ََ
َُ َ ُ ُ َ ٌ َْ ِ
ّ
َْ
ٍ
ْ ِ َ ًْ
ِ َ ََ َ ُ ْ َ ََ َ َ
ال نا س إ ِ ذا ظ ل م ه م و ط ل ب أذاهم92.
ّ
و انظر : " مثل الذين يوفون بعهدهم أني جزيتهم جنان النعيم " لفظ )
أني جزيتهم جنان النعيم ( يناسبه الجزاء ل المثل أي كان المفترض أن
يقول جزاء الذين يوفون بعدهم أني جزيتهم جنان النعيم .
و انظر : " وما نحن عن ظلمه بغافلين " فيه اتهام علي - رضي ا عنه -
بالظلم فقد أفسد الكاتب من حيث أراد الصلح .
و هكذا رأينا أيها الخوة كاتب هذه السورة المزعومة لم يكن متق نا
ً
للغة العربية فجاءت كلماته و تعبيراته في غاية الضعف والركاكة على
أن هناك الكثير منها مقتبس و منحول من آيات من سور القرآن ، ولكن
الكاتب لم يحسن التأليف بينها، ولم يضعها في مواضعها اللئقة بها ،و
شتان بين هذه السورة و سور القرآن في الرواية ، و شتان بين هذه
السورة و سور القرآن في الدراية ،و شتان بين هذه السورة و سور
القرآن في النظم ،و شتان بين هذه السورة و سور القرآن في الجمال
الصوتي .
82
92
معجم اللغة العربية المعاصرة 922/1 لسان العرب لبن منظور 87/4143
35. هذا و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات و كتب ربيع أحمد حامدا لله
و مصليا على نبيه - صلى ا عليه وسلم - السبت 31 / ربيع آخر/
4341 هـ ، 82/ يناير/3102 م
53