1. حقوق النسان / آين راند
اذا أراد المرء أن يناصر مجتمعا- حرا-- المجتمع الرأسمالي، فعليه أن
يدرك بأن هذا المجتمع يرتكز على أساس ل غنى عنه، ال هو مبدأ
الحقوق الفردية.
وإذا أراد المرء أن يساند الحقوق الفردية فعليه أن يدرك بأن الرأسمالية
هي النظام الوحيد الذي يمكنه مساندتها وحمايتها.
وإذا أراد المرء أن يعرف مدى العلقة بين الحرية والهداف الحالية
للمثقفين، فيمكنه أن يعتمد على حقيقة، فمفادها أن مفهوم الحقوق الفردية
يتعرض للتهرب والتشويه والتضليل ونادرا ما تتم مناقشته في أوساط
من يعرفون بـ"المحافظيين".
إن "الحقوق" مفهوم أخلقي، يقدم انتقال- منطقيا- من المبادئ التي توجه سلوكيات الفرد إلى
المبادئ التي توجه علقته مع الخرين- المفهوم الذي يحافظ على الخلقيات الفردية ويحميها
في سياق اجتماعي- هو الصلة ما بين المنظومة الخلقية للفرد والمنظومة التشرعية للمجتمع،
وما بين الخلق والسياسة؛ الحقوق الفردية هي وسيلة إخضاع المجتمع إلى قانون أخلقي.
يتأسس كل نظام سياسي على منظومة أخلقية معينة، وقد سيطرت على تاريخ البشرية منظومة
أخلقيات متنوعة الشكال، ولكنها تعتمد في جوهرها على مذهب (اليثار الجماعي) الذي
أخضع الفرد إلى سلطة عليا؛ روحية كانت أم اجتماعية، ونتج عن ذلك أن معظم النظمة
السياسية كانت مجرد أشكال متنوعة للطغيان، ل تختلف عن بعضها البعض إل بمستوى
طغيانها، دون أن يطال المبدأ الساسي؛ واستمرت هذه النظمة عبر الزمن ولم تكن لتتوقف
لول حالت استثنائية مرت بها بفعل التقاليد والفوضى والصراعات الدموية والنهيار من حين
لخر. وكانت الخلق في هذه النظمة منظومة تطبق على مستوى الفرد، ل المجتمع؛ حيث
فوضع المجتمع خارج القانون الخلقي، باعتباره رمزا- أو مصدرا- أو مفسرا- حصريا- له، وتم
تعليم الناس بأن الخلص والتضحية بالنفس، واجب للمجتمع الذي هو الهدف السمى للخلق
خلل وجود النسان الدنيوي.
وبما أنه ل يوجد كيانا- سوى "المجتمع"، وبما أن الخير هو عبارة عن عدد من الفراد؛ فهذا
يعني، عمليا- أن قادة المجتمع مستثنين من القانون الخلقي؛ وبما أنهم ل يخضعون لغير
العادات والتقاليد فقد تمتعوا بسلطة كاملة فرضت الطاعة العمياء ضمن- مبدأ ضمني مفاده:
"الصالح هو ما يصلح للمجتمع (القبيلة، العرق، المة)، وما أوامر الحاكم إل صوت المجتمع
على أرض الواقع".
ويصح هذا في كافة النظمة الدولنية، وضمن كافة أشكال الخلقيات (اليثارية- الجماعية)
روحية كانت أم اجتماعية، وهما جانبان يتلخص الول منهما في مقولة "الحق اللهي للملوك"،
ويتلخص الثاني في مقولة "صوت الشعب هو صوت الرب"، ومن أمثلة ذلك: الدولة الدينية
1
2. في مصر القديمة حيث يعتبر الفرعون تجسيدا للرب، والحكم غير المحدود للغلبية في أثينا
القديمة- ودولة الرعاية التي حكمها الباطرة في روما- ومحاكم التفتيش في منتصف العصور
الوسطى- والملكية المطلقة في فرنسا- ودولة الرعاية في بروسيا إبان حكم بسمارك- وغرف
الغاز في ألمانيا النازية، ومجازر التحاد السوفييتي.
إن كافة هذه النظمة السياسية كانت تعبيرا عن الخلقيات (اليثارية الجماعية)، وتجمع بينها
صفة مميزة تتمثل في حقيقة مفادها أولوية المجتمع على القانون الخلقي ككيان يستهويه
الطغيان والسيادة والنزوات، وبالتالي فهذه النظمة جميعها تعتبر، من الناحية السياسية، أشكال
متنوعة لمجتمع واحد ل يخضع لقانون الخلق.
لقد كان (إخضاع المجتمع إلى قانون أخلقي) أهم إنجاز ثوري قامت به الوليات المتحدة
المريكية؛ حيث ملثل مبدأ الحقوق الفردية للنسان امتداد يد الخلق لتطال النظام الجتماعي.
ومن خلل الحد من سلطة الدولة، وحماية النسان من همجية قوة الجماعة، وإخضاع الجبروت
إلى الحق، أصبحت الوليات المتحدة أول مجتمع أخلقي في التاريخ.
فالنظمة السابقة جعلت جميعها النسان بمثابة وسيلة يمكن التضحية بها لتنفيذ غايات الخرين،
والمجتمع الذي هو غاية بحد ذاته؛ أما الوليات المتحدة فقد اعتبرت النسان غاية بحد ذاته،
والمجتمع كوسيلة لتحقيق تعايش الفراد بشكل سلمي ومنظم وطوعي.
وكل النظمة السابقة اعتبرت حياة المرء ملكا للمجتمع وأن المجتمع يمكنه التصرف بها
بالطريقة التي يرتئيها، وأن الحرية التي يتمتع بها ما هي إل فضل من المجتمع يسمح بها حين
يشاء، ويبطلها حين يشاء؛ أما الوليات المتحدة فاعتبرت حياة المرء ملكا له كحق من حقوقه
(بمعنى المبدأ الخلقي والطبيعة البشرية)، وأن حق المرء ملكية فردية، وبهذا ل يكون للمجتمع
أية حقوق، وأن الهدف الخلقي الوحيد للحكومة يتمثل في حماية الحقوق الفردية.
إن "الحق" مبدأ أخلقي يعلرف ويصادق على حرية تصرف المرء ضمن السياق الجتماعي.
وهنالك حق أساسي وحيد فحسب (وكل ما عداه نتائج له)، ال وهو حق النسان في الحياة.
إن الحياة هي مسار عملي، تتم فيه فعاليات للدعم والنتاج على مستوى الذات، وهذا يعني:
حرية التصرف اللزم التي تقتضيها طبيعة الكائن العاقل لتوفير ما يلزم حياته الخاصة به من
دعم وتطوير وإنجاز ورفاهية. (وكذلك هو معنى الحق بالحياة والحرية والسعي إلى السعادة).
ويرتبط مفهوم "الحق" ارتباطا مباشرا بتصرفات النسان، وبالخص: حرية التصرف؛ وهي
تعني التحرر من استخدام القوة للحث أو الجبار أو التدخل ضد الخرين؛ ومن هنا يكون الحق،
بالنسبة لجميع الفراد، إقرارا-ا- أخلقيا- ايجابيا- - حرية وصرفه تتم وفق تقييمه الخاص، ومن
أجل أهدافه الخاصة، نابعة من خيار ذاتي الطوعي ودون إكراه، أما بالنسبة للمحيطين بهذا
الشخص، فإن حقوقه ل تلزمهم بأية التزامات ما عدا السلبية منها، أي: المتناع عن انتهاك
حقوقه.
حق الحياة هو مصدر الحقوق جميعها- وحق الملكية هو التطبيق الوحيد لها جميعا؛ ومن دون
حقوق الملكية ل يمكن للحقوق الخرى أن تكون متوفرة؛ وبما أن النسان يجب عليه أن يستمر
2
3. بحياته اعتمادا على نتاج جهده الخاص، فإن من ل يملك حق ملكية نتاج جهده يفتقر ل يملك
وسيلة للستنرار في الحياة، والنسان الذي ينتج بينما يتصرف الخرون بإنتاجه، هو عبد ول
ريب.
إذا ما أخذنا بعين العتبار أن حق الملكية هو حق التصرف، فهو كأي حق آخر: ليسا حقا
بشيء، وإنما هو حق بالتصرف وبنتائج إنتاج أو اكتساب ذلك الشيء، وهو ليس ضمانة للمرء
بأنه سوف يكتسب ملكية ما، وإنما مجرد ضمانة بأنه سوف يمتلكها إذا اكتسبها؛ فهو حق
اكتساب المور المادية، والحتفاظ بها، واستعمالها، والتصرف بها.
إن مفهوم الحقوق الفردية حديث جدا في مسيرة التاريخ البشري إلى درجة نلحظ معها أن
معظم الناس لم يستوعبوها بشكل كامل إلى يومنا هذا؛ فبحسب النظريتين الخلقيتين الروحية
والجتماعية يشدد البعض على أن الحقوق هبة من الرب- ويشدد آخرون على أنها هبة من
المجتمع؛ ولكن الحقيقة تقول بأن مصدر الحقوق ينبثق من الطبيعة البشرية.
لقد نص إعلن الستقلل على أن الناس "منحهم خالقهم حقوقا ثابتة ل يمكن فصلها عنهم"؛
وسواء آمن المرء بأن النسان صنيعة الخالق أم الطبيعة، فإن قضية أصل النسان ل تغير من
حقيقة أنه كيان ذو نوع خاص -كائن عقلني-وأنه عاجز عن التصرف بنجاح إذا تعرض
للجبار، وأن الحقوق شرط ضروري لنمط البقاء والستمرار.
"إن مصدر حقوق النسان ل ينبع من قانون يأتي من السماء أو من قبة الكونغرس المريكي،
وإنما من قانون الهوية؛ (أ =أ) ، والنسان هو النسان ؛ والحقوق هم شرط للوجود تقتضيه
الطبيعة البشرية لتحقيق بثبقاء النسان بشكل مناسب؛ فحينما يتعين على النسان أن يعيش على
كوكب الرض، فمن حقه أن يستعمل عقله، ومن حقه أن يتصرف بحسب تقييمه الحر، ومن
حقه أن يعمل لصالح قميمه العليا وأن يحتفظ بنتاج عمله. ومن يجعل الحياة على الرض هدفا له،
فمن حقه أن يعيش باعتباره كائنا عقلنيا: فالطبيعة تحظر عليه أن ل يكون عقلنيا." (أطلس
شراغد)
إن انتهاك حقوق النسان يعني إرغامه على التصرف بعكس ما يرتئيه تقييمه الخاص، أو
مصادرة قيمه العليا؛ وذلك عبر : استخدام القوة المادية. وهنالك عنصران اثنان يمكن
استخدامهما لنتهاك حقوق النسان: المجرمون والحكومة. وقد تمثل النجاز العظم للوليات
المتحدة في رسم حد فاصل يميز بين هذين العنصرين، وهو منع العنصر الثاني من أن يصبح
نسخة مشروعة لنشاطات العنصر الول.
وقد وضع إعلن الستقلل مبدأ- مفاده أنه "لحماية هذه الحقوق تم تأسيس الحكومات بين
الناس"، وقد قدم هذا النص التبرير المقبول الوحيد لوجود الحك-ومة وحدد الهدف الوحيد الذي
يلئمها: وهو حماية حقوق النسان من خلل حمايته من العنف المادي.
وهكذا تم تغيير وظيفة الحكومة من دور الحاكم إلى دور الخادم؛ حيث تم وضعها لحماية المرء
من المجرمين، وتمت كتابة الدستور لحماية النسان من الحكومة.
كما ان وثيقة الحقوق لم تكن موجهة ضد المواطن الفرد، وإنما ضد الحكومة - كإعلن صريح
بأن حقوق الفرد تتقدم على أية قوة شعبية أو اجتماعية أخرى.
3
4. نتج عن ذلك نمط اجتماعي متحضر اقتربت أمريكا من تحقيقه- خلل حقبة زمنية قاربت قرنا
ونصف القرن. والمجتمع المتحضر هو مجتمع فيحظر فيه استخدام القوة المادية في العلقات
البشرية، وتلعب فيه الحكومة دور الشرطي الذي يستعمل القوة للرد فقط وضد من بدأ
باستخدامها فقط.
هذا هو المعنى الساسي الذي كان في نية الفلسفة السياسية المريكية، مضنمنا في مبدأ الحقوق
الفردية، ولكن لم تتم صياغته بشكل صريح، ولم يتم القبول به تماما، ولم يمامرس على نحو
متكامل.
لقد عانت أمريكا من تناقض داخلي يتمثل في الخلقيات (اليثارية الجماعية)؛ فاليثار
يتضارب مع الحرية والرأسمالية والحقوق الفردية؛ إذ ل يمكن الجمع بين السعي إلى السعادة
وبين الحالة المعنوية للحيوان المضحي.
لقد كان مبدأ الحقوق الفردية هو الذي تمخض عن المجتمع الحر، كما إن تدمير الحقوق الفردية
هو الذي أدى إلى تدمير الحرية.
إن الستبداد الجماعي ل يجرؤ على استعباد البلد من خلل مصادرة قيمها على نحو صريح
ومباشر؛ إنما يقوم بذلك عبر عملية فساد داخلي، كما يحدث على الصعيد المادي من خلل تبذير
ثروة البلد عبر التسبب بتضخم العملة، حيث نشاهد اليوم عملية التضخم وهي تطبق في مجال
الحقوق، وهي عملية يتبعها نمو كبير في "الحقوق" الصادرة حديثا إلى حد ل يتمكن فيه الناس
من ملحظة حقيقة ما وقع، وهو أن مفهوم الحقوق قد تعرض إلى النعكاس؛ وكما أن الوراق
المالية المزورة تسيء إلى قيمة الوراق المالية الحقيقية، فإن "حقوق (اطبع وانشر) " تتناقض
مع الحقوق الصيلة.
وهنالك حقيقة مثيرة للفضول ينبغي أخذها بعين العتبار، وهي أن العالم لم يشهد أبدا مثل هذا
النمو السريع لظاهرتين متناقضتين، وهما: "الحقوق" الجديدة المزعومة، ومعسكرات العمل
الجباري.
تمثلت أشد حالت التناقض في تحول مفهوم الحقوق من ميدان السياسة إلى ميدان القتصاد، وقد
لخص (إعلن المبادئ) الذي أصدره الحزب الديمقراطي عام 1960 هذا التحول بجرأة
وصراحة، حيث جاء فيه أن الدارة الرئاسية الديمقراطية "سوف تؤكد مجددا-ا- على وثيقة
الحقوق القتصادية التي كتبها فرانكلين روزفلت في ضمير المة قبل 16 عاما". وينبغي
النتباه هنا إلى معنى مفهوم الحقوق عندما تقرأ القائمة التالية التي جاءت في العلن:
1.الحق بوظيفة، ذات دخل مالي جيد في مصانع أو متاجر أو حقول أو مناجم المة.
2.الحق بتقاضي أجر كا ف يساهم بتأمين الحاجات؛ الغذاء واللباس والتسلية.
3.الحق لكل مزارع بتربية وبيع منتجاته بسعر يوفر معيشة كريمة له ولسرته.
4.حق كل أرباب العمال، مهما كان حجم هذه العمال، بالتجارة في مناخ يتحرر فيه من
المنافسة غير العادلة والهيمنة الناتجة عن الحتكارات الداخلية والخارجية.
4
5. 5.الحق لكل عائلة بمنزل مناسب.
6.الحق برعاية صحية مناسبة وتوفير فرصة تحقيق مستوى صحي جيد والتمتع به.
7.الحق بمستوى كاف من الحماية ضد المخاوف القتصادية التي سادت في عصور الماضي،
والمرض، والحوادث، والبطالة.
8.الحق بمستوى جيد من التعليم.
يمكننا إضافة سؤال توضيحي وحيد في نهاية كل من البنود التي وردت أعله، وهو: على
حساب من؟؛ فالوظائف، الغذاء، الثياب، التسلية (!) والمنازل والرعاية الصحية والتعليم
وغيرها ليست من نتاج الطبيعة؛ وإنما هي قيم مادية يوفرها النسان كما يوفر البضائع
والخدمات، فمن سيوفرها؟ وإذا كانت حقوق البعض تخولهم الحصول على منتجات عمل
الخرين، فهذا يعني أن هؤلء الخرين مجردون من الحقوق ومجبرون على العمل كعبيد.
ل يمكن لي انسان ان يزعم حقا- يقتضي انتهاك حقوق إنسان آخر ليس حقا، ول يمكن أن يكون
حقا؛ فليس للنسان أن يمتلك حقا يفرض على إنسان آخر التزاما لم يختره، أو واجبا دون عائد،
أو خدمة غير طوعية. ول يمكن أن يكون هنالك ما يشبه "حق الستعباد"؛ فالحق ل يتضمن
التطبيق المادي للحق من قبل الخرين، وإنما يقف عند حدود الحرية باكتساب هذا التطبيق عبر
الجهد الشخصي. وفي هذا السياق ينبغي أن نلحظ الدقة الفكرية عند الباء المؤسسين للوليات
المتحدة عندما تكلموا عن حق "السعي إلى السعادة"، وليس الحق بالسعادة؛ وهذا يعني أن
للنسان حق اتخاذ الجراءات التي يراها ضرورية لتحقيق سعادته، وهذا (ل) يعني أن الخرين
يجب عليهم أن يجعلوه سعيدا.
إن حق الحياة يعني أن من حق النسان أن يوفر احتياجات حياته من خلل عمله (على المستوى
القتصادي وبمقدار ما يمكن أن تصل إليه قدراته)، وهذا ل يعني أن الخرين يجب منحه
الممتلكات. كما إن حق حرية التعبير يعني أن من حق النسان التعبير عن أفكاره دون أن يتهدده
خطر تعرضه للضطهاد أو التدخل أو العقاب من الحكومة، وهذا ل يعني أن الخرين يجب
عليهم أن يمدوه بقاعة محاضرات أو محطة إذاعية أو مطبعة للتعبير عن أفكاره.
إن أي التزام يتضمن مشاركة أكثر من شخص يقتضي الموافقة الطوعية من جانب كل
المشاركين، وكل واحد منهم له الحق بصياغة خياره الشخصي، ولكن ل أحد منهم له الحق في
فرض قراره على الخرين.
ليس هنالك شيء يمكن أن يدعى "حق الوظيفة"، وإنما هنالك حق التجارة الحرة، أي: حق
النسان بالحصول على وظيفة إذا قرر شخص آخر أن يوظفه. وليس هنالك "حق المنزل"،
وإنما هنالك حق التجارة الحرة، أي: حق بناء منزل أو شرائه. وليس هنالك حقوق بأجر "عادل"
أو سعر "عادل" إذا لم يقرر أحد أن يدفع هذا السعر أو يوظف هذا الشخص أو يشتري تلك
السلعة.
وليس هنالك "حقوق المستهلك" في الحليب أو الحذية أو الفلم أو العصير إذا لم يقرر
المنتجون تصنيعها (وهنالك فحسب حق التصنيع لمن يريد ذلك). وليس هنالك حقوق لفئات
خاصة، من أمثال "حقوق الفلحين أو العمال أو أرباب العمال أو الموظفين أو من يوظفهم أو
المسنين أو الشباب أو الجلنة"، وإنما هنالك فقط "حقوق النسان": الحقوق التي يمتلكها كل فرد
5
6. وجميع البشر كأفراد.
إن حقوق الملكية وحق التجارة الحرة هي "الحقوق القتصادية" الوحيدة للنسان (وهي في
الحقيقة، حقوق سياسية)، ولهذا ل يمكن أن يوجد ما يسمى "وثيقة الحقوق (القتصادية)"،
ولحظ معي هنا أن مؤيدي هذه الوثيقة الجديدة كادوا ينتهون من تدمير النسخة القديمة. ول بد
للمرء أن يتذكر هنا أن الحقوق مبادئ أخلقية تعلرف وتحمي حرية النسان بالتصرف، ولكنها
ل تفرض أية التزامات على الخرين. فالمواطنون كأفراد ل يمثل أي واحد منهم تهديدا لحقوق
الخر أو حريته، ومن يلجأ منهم إلى القوة المادية وينتهك حقوق الخرين فهو مجرم، والخرون
يملكون حماية قانونية ضده.
ل يشكل المجرمون إل أقلية ضئيلة في أي عصر أو بلد، وما أحدثوه من أذى للبشرية يكاد ل
يقارن بالهوال والمجازر والحروب والضطهاد والمصادرة والمجاعات والستعباد والتدمير
الشامل الذي ارتكبته حكومات البشرية؛ فمن طبيعة الحكومة أنها تشكل أخطر تهديد تواجهه
حقوق النسان: فهي تمتلك تصريحا-ا- قانونيا -حصريا- باستخدام القوة المادية ضد ضحية منزوعة
السلح بحكم القانون. وعندما ل تكون هذه الحكومة محدودة أو مقيدة بالحقوق الفردية فإنها
تتحول إلى أشد أعداء النسان فتكا-؛ ولهذا جاءت (وثيقة الحقوق) ل لتحمي من السلوكيات
الفردية، وإنما من سلوكيات الحكومة.
لنلحظ الن العملية التي يتم من خللها القضاء على هذه الحماية؛ حيث تتضمن هذه العملية أن
تعزى إلى المواطن الفرد تلك النتهاكات التي يحظر الدستور على الحكومة ارتكابها (والتي ل
يملك الفرد سلطة ارتكابها)، مما يحرر الحكومة من كل الضوابط.
هذا التحول يتجلى شيئا- فشيئا في حقل حرية التعبير. فطيلة سنين وأنصار الجماعية يروجون
لرأي، مفاده أن رفض الفرد تمويل من يعارضه يعد انتهاكا- لحق هذا المعارض في حرية
التعبير وعمل- "رقابيا".
فالرقابة في رأيهم هي ما يحدث حينما ترفض إحدى الصحف توظيف أو نشر كتابات من
تتعارض أفكارهم مع سياسة الصحيفة جملة وتفصيل؛ أو حينما يرفض رجال العمال نشر
إعلناتهم في مجلت تشن عليهم حملت النتقاد والهانة وتشويه السمعة؛ أو حينما تعارض
جهة راعية لبرنامج تلفزيوني قد يتضمن مواقف غتضبة - كما حدث عندما وجهت الدعوة إلى
ألجار هيس لشجب نائب الرئيس السابق ريتشارد نيكسون.
أضف إلى ذلك ما جاء على لسان رئيس اللجنة الفيدرالية للتصالت نيوتن ميناو الذي أعلن
ذات مرة: "هنالك رقابة بواسطة جهات التصنيف، والمعلنين، وشبكات البث، ومن يلف لفهم
ممن يرفضون البرامج المقدمة إلى مناطقهم". وهذا هو السيد ميناو نفسه الذي هدد بإبطال
رخصة أي محطة ل تستجيب لما يرتئيه من برامج، وهو نفسه الذي زعم بأن هذا التهديد ليس
من الرقابة في شيء.
لنناقش المعاني المضمنة في مثل التوجه؛ فالرقابة مصطلح ل يصح إل على التصرفات
الحكومية، فليس هنالك من تصرف فردي يمكن أن يندرج تحت هذا المصطلح، وليس من فرد
أو وكالة يمكنها أن تخرس شخصا أو توقف مطبوعة، وإنما هذا ما تفعله الحكومات. إن حرية
التعبير للفرد تتضمن حقه في أن ل يتفق مع معارضيه وأن ل يصغي إليهم وأن ل يقدم لهم
التمويل، ولكن بعض الطروحات من أمثال "وثيقة الحقوق القتصادية" ل ترى للفرد حقا في
6
7. استخدام وسائله المادية الخاصة على ضوء توجيه معتقداته الخاصة، وإنما ينبغي عليه وفقها أن
يسلم ماله دون تمييز إلى أي خطيب أو مروج، فهم يملكون "الحق" في ممتلكاته.
هذا يعني أن توفير الدوات المادية للتعبير عن الفكار يحرم النسان من حق إيقاف أية فكرة؛
أي: أن الناشر يتوجب عليه نشر الكتب التي يعتبرها عديمة القيمة أو مزيفة أو شريرة، وأن من
يرعى برنامجا-ا- تلفزيونيا- ينبغي عليه أن يقدم المال للمعلقين الذين ل يتوافقون ومعتقداته، وأن
مالك الصحيفة عليه أن يقدم صفحات جريدته ضمن اطار مقالت الرأي إلى أي شاب طائش
غاضب على "استعباد الصحافة".
إن هذا يعني أن مجموعة من الناس تمتلك "الحق" برخصة غير محدودة، بينما مجموعة اخرى
يتم التضييق عليها بطريقة غير مسؤولة ل يرتجى منها أي صلح.
اذن، يبدو من الواضح استحالة توفير وظيفة أو ميكروفون أو عمود في صحيفة لكل من يطلب؛
فمن ذا الذي سيقرر عملية "توزيع الحقوق القتصادية" ويختار المستفيدين عندما يتم إبطال حق
المالك بتقرير مصير ممتلكاته؟ حسنا، لقد أجاب السيد ميناو على هذا السؤال بوضوح كاف.
مخطئ من يظن، بأن ما ذكرناه ينطبق على المالكين الكبار فحسب، فعليه أن يدرك بأن نظرية
"الحقوق القتصادية" تتضمن "حق" كل كاتب مسرحي ها و أو كل شاعر متطرف أو كل ملحن
ل يعزف إل الضجيج أو كل رسام دون هدف (وله تأثير سياسي) في الحصول على الدعم
المالي الذي لم يتمكن من الحصول عليه عبر العروض الفنية. وإل فما هو المغزى من مشروع
ينفق أموال الضرائب للنفاق على الفن؟
وبينما يثار الضجيج حول "الحقوق القتصادية"، يتلشى مفهوم الحقوق السياسية؛ يتم التناسي
أن حق حرية التعبير يعني حرية النسان في الدفاع عن آرائه وتحمل مسؤولية ما ينتج عنها
تجاه الخرين من خلف ومعارضة وانعدام شعبية وقلة دعم. وتتمثل الوظيفة السياسية "لحق
التعبير عن الرأي" في حماية المنشقين والقليات التي ل تحظى بالشعبية من الضطهاد العنيف،
وليس ضمان حصولها على الدعم والمنافع والمنح مقابل شعبية لم تكسبها.
لقد جاء في (وثيقة الحقوق): "يجب على الكونغرس أن ل يسن أي قانون… يحد من حرية
التعبير، أو حرية الصحافة…"، فهو ل يطالب المواطنين بتوفير الميكروفون لمن ينادي
بدمارهم، أو المفتاح للص الذي يسعى إلى سرقة خزائنهم، أو السكين للقاتل الذي يروم قطع
رقابهم؛ لكن هذا هو حال أكثر القضايا إلحاحا في وقتنا الحاضر: إذ تتواجه الحقوق السياسية مع
"الحقوق (القتصادية)" في معركة ل تنتهي بالتعادل، حيث يجب على أحدهما أن يدمر الخر.
وفي الحقيقة، ليس هنالك ما يسمى "الحقوق القتصادية"، أو "الحقوق الجماعية"، أو "حقوق
المصلحة العامة"؛ حتى أن مصطلح "الحقوق الفردية" يعاني من زيادة المصطلحات، إذ ليس
هنالك نوع آخر من الحقوق، وليس هنالك غير الفرد كي يتنعم بها؛ ومن يدافع عن سياسة (عدم
التدخل الحكومي في القتصاد) الرأسمالية، إنما هو المدافع الوحيد عن حقوق النسان.
أبريل 1963
7