القضاء على الفساد الاداري والمالي لتحقيق أهداف الثورة الشعبية
كيف نقضي على المحسوبية في الإدارة التونسية
1. كيف نقضي على المحسوبية في الدارة التونسية
بقلم: عزالدين مبارك
لقد عرفت الدارة التونسية في العوام القليلة الماضية تطورا ملحوظا رغم بعض الشوائب
التي مازالت عالقة بها ونخص بالذكر التص ّف في الموارد البشرية التي تعتبر من العناصر
ر
الساسية في عملية النتاج والبداع والتطور حتى ُ ّيت حسب عرف القتصاديين برأس
سم
المال البشري تماثل مع الرأس المال المادي.
فالرأس المال المادي مهما بلغت به الق ّة والطفرة ل يساوي شيئا دون تو ّر عناصر بشرية
ف و
عارفة ومتمكنة وماهرة وكفأة لتحقيق أحسن النتائج وأجودها في وقت قياسي وذلك
بالستعمال المثل لدوات العمل والتكنولوجيا المتقدمة وحسن التسيير والتصرف والتأقلم مع
المستج ّات والتغ ّرات وما أكثرها وأش ّها في عالم اليوم الذي يعرف تقّبات وه ّات
ز ل د ي د
وارهاصات متع ّدة.
د
والمتعامل اليوم مع الدارة التونسية يلحظ عدم رضى أغلب الموظفين لظروف عملهم من
ناحية المعاملة مع ادارتهم والسماع لتشكياتهم والعدالة في التطور الوظيفي والرتقاء في سلم
الحياة المهنية.
فالكثير منهم تغيب عنه حوافز الترقية منذ زمن بعيد دون سبب مقنع ومنهم من يج ّد لمج ّد
ر م
وشاية مغرضة. فالمور الشخصية والعلئقية تطغى على المردود الفعلي للعمل ويحاسب
الموظف على أتفه الشياء ول يجد الشكر ولو قليل ان أجاد عمله.
كما نجد المحظوظ الذي يدخل باب الدارة منذ يومه الول ير ّب به ويقابل بالحضوة
ح
والتبجيل وير ّم حتى قبل ان يت ّ تر ّصه ويقفز قفزا من رتبة إلى رتبة ومن خطة وظيفية إلى
م ب س
أخرى. ففي بضع سنوات قليلة تجده مديرا وفي الق ّة رغم أ ّ العمل الذي يقوم به ليس به
ن م
ابداع وجودة ول ين ّ عن كفاءة خارقة للعادة ول يفوق في شيء ما يعمله أنداده من الموظفين.
م
فمعاملة الدارة غير العادلة للجراء في ظ ّ غياب نظام تقييمي مبني على الكفاءة العلمية
ل
والعملية دون سواها من المور الخفية المبنية على العلقات والمحسوبية والكتاف، يخلق
نوعا من الصراع الخفي والحزازات الدفينة والغبن بين العوان وكأ ّها الحرب الباردة.
ن
وهذا الوضع يوّد كثرة الغيابات المرضية وغيرها والمشاحنات والدسائس بين العوان حتى
ل
يصل المر الى تقلص النتاج والنتاجية وتتع ّر أحوال المنشأة وكثيرا ما يه ّدها الفلس
د ك
والتلشي.
والخاسر الكبر بعد العوان هي الدارة نفسها ل ّ الصراعات التي تحدث بين العوان ول
ن
تعالج في الغالب ا ّبعصا العقوبات الزجرية المجحفة، تخلق ج ّا من التنافس غير النزيه
و ل
والمليء بالصراعات الخفية والظاهرة التي ته ّد السلم الجتماعية بالمؤسسة في ظل غياب
د
ادارة نزيهة وكفأة تعالج الخللت بحكمة وروية دون انحياز لمسؤول كبير أو صغير.
فتسلق السّم الوظيفي في ادارتنا يخضع في الغالب للعلقات الخاصة والتوصيات والمركز ل
الجتماعي للعون والمحسوبية وليس للكفاءة والمهارة في العمل والمستوى العلمي والتعليمي
والنحياز الفعلي وهذا من شأنه أن يترك آثارا سلبية على جودة العمل المقدم في غياب روح
2. التآلف والنضباط بين أفراد المجموعة.
وفي النهاية نجد الكثير من عديمي الكفاءة في الق ّة والخرون الكثر كفاءة في أسفل السلم
م
يقتلهم الغيض ويط ّقون أوامر خارجة عن المنطق فيشتد الصراع ل ّه ل يمكن »للبغل أن
ن ب
يقود حصانا« أو يستمع »الشحرور إلى غناء الدجاجة«.
والمنطق السليم هو أن يقود الكفؤ العون القل كفاءة ومعرفة وليس العكس وبما أ ّ المنطق
ن
الداري السائد ل يحكم بهذا المر فإ ّ الوضع يصبح فوضى وتع ّ السلبية واللمنطق.
م ن
والكفاءة الدارية المتبعة حاليا في إدارتنا هي قدرة العون على التق ّب من المسؤول الذي
ر
بيده قلم الترقيات والعطاءات والتسهيلت واستعمال التدخلت والعلقات للتأثير عليه
والضغط عليه حتى يصل إلى ما يريده منه. فالولء للمسؤول ومجاملته وخدمته هي في
المقام الول، أما العمل الفعلي المنوط بعهدته فل أحد يحاسبه عليه ل ّه يتم ّع بالحماية
ت ن
الكافية.
أما العون الخر الكفؤ وهو كثيرا ل يعتمد على سّة العناصر التي ذكرناها سابقا ويعتمد فقط
ل
على كفاءته تجده منبوذا ومتأخرا في كل الترقيات ل ّه معت ّ بنفسه وبمستواه العلمي
د ن
والتعليمي ومهارته ول يقدم ولءات الطاعة العمياء الخارجة عن نطاق العرف الداري
السليم.
فهناك من يختص في حبك الحيل الشيطانية ليتق ّب من المسؤول على حساب زملئه وعمله
ر
يتم ّل في مراقبة لكل شاردة وواردة واعلم عرفه بذلك وهذا النمط من العوان كثيرا ما ث
يحصل على الترقيات ويصبح بفعل العادة ضروريا لن المسؤول يهتم بأمور أخرى ويهمه
ّ
معرفة تص ّف العوان حتى لمج ّد التسّي والتش ّي أحيانا.
ف ل ر ر
فالمسؤول يريد أن يعرف كل شاردة وواردة عن أعوانه وحركاتهم وسكناتهم عوض متابعة
أعمالهم الحقيقية حتى يضبط المور، فإدارتنا تع ّ بالعوان شبه النشيطين الذين يدخلون
ج
صباحا باكرا للمضاء ثم يتو ّهون إلى القيل والقال وكثرة اللغط وحكايات أ ّي سيسي
م ج
والتقطيع والترييش، فالبطالة المقنعة متفشية كالوباء في ادارتنا الموقرة في ظل غياب هيكل
تنظيمي يح ّد لكل عون مهامه بالتدقيق حسب مستواه العملي والعلمي وكفاءته المهنية.
د
فإدارتنا مازالت والحقيقة تقال تؤمن بالكتاف والعلقات والمحسوبية من طور النتداب الى
طور الترقيات والخطط الوظيفية والتنقلت وغيرها. فالحركية الدارية التي يعيشها الموظف
خلل رحلته الطويلة مع العمل تخضع إلى مزاج هذا المسؤول أو ذاك ولعتبارات شخصية
ذاتية بعيدا عن ضرورات العمل والتنظيم والهيكلة وخدمة الصالح العام والجودة.
وهذا المر يؤدي حتما إلى الخللت والفوضى والضطراب وعدم المصداقية حتى أصبح
الكثير من العوان عرضة للضغوطات القاسية فيق ّ عملهم ويتش ّت تفكيرهم ويصابون
ت ل
بالحباط فمنهم من يصل به المر للستقالة أو التمارض أو الوقوع في أخطاء تأديبية قاتلة.
ومر ّ غياب العقلنية والحكمة عن إدارتنا هو الموروث الستعماري والعادات البالية ل ّ
ن د
المحاباة وتفضيل السوأ وتقزيم الحسن وتجميد العناصر الكفأة ل ّها ليست مطيعة وط ّعة
ي ن
ودينها وديدنها العمل فقط دون سواه.
فالمشكلة بالساس مفاهيمية، فنتيجة طريقة تفكير عقيمة وبسيطة تقدم الحواشي عن اللب
وتق ّس الشخصي وتنبذ الموضوعي. د
فالموضوعية هي التي تجعل للدارة شأنا وقيمة ول تتركها فريسة الوشايات والعلقات وما
3. يطبخ في خلفيات المكاتب المغلقة فيصبح العمل مقدسا والقيام بالواجب هدفا ونبل وطريقا
إلى الرتقاء دون سواه من القشور الفارغة والجوفاء.
فالهياكل التنظيمية لدارتنا غير واقعية بحيث ل تتماشى مع طموحات العوان وتطورهم
الوظيفي كما أ ّها غير ملئمة للحركية الداخلية ول تح ّد بالتفصيل ما يقوم كل عون على
د ن
أرض الواقع فكثيرا ما تقرأ شيئا وتشاهد شيئا آخر وكأ ّ المر مج ّد كتابة وثيقة وكفى.
ر ن
كما أ ّ بعض الهياكل ُبعث لمساعدة أشخاص مع ّنيين للبروز والرتقاء أو س ّ الطريق أمام
د ي ت ن
البعض الخر والمر يعود دائما للتدخلت والعلقات والمحاباة وليس لضرورة العمل
والغرب أ ّه ليس هناك تقييم موضوعي للمر ومحاسبة المخطئين والمتجاوزين. فالمسألة ن
ل تعدو أن تكون وليدة مزاج ظرفي وغير مرتبط بالداء وجودة العمل والرهانات
المطروحة والمستقبلية أمام المؤسسة والمشروع.
ولجعل العمل عنصر انتاج حقيقي للثروة وليس مجرد مضيعة للوقت ويخضع للنزوات
الذاتية ومحاربة المحسوبية والمحاباة والتدخلت بصفة فاعلة وجذرية بات من المؤكد
والضروري والحتمي تغيير طرق وأساليب المعاملة والتص ّف في الموارد البشرية والقطع
ر
مع العادات السيئة التي نعيشها الن وذلك باعتناق التم ّي حسب التص ّف بالكفاءات.
ر ش
فماهو هذا النظام الجديد يا ترى؟
التص ّف بالكفاءات يعني الرجل المناسب في العمل المناسب وكل عون يأخذ ح ّه في
ق ر
الرتقاء والتوظيف حسب امكانياته الخاصة به وبكفاءته العلمية والعملية بعيدا عن عناصر
المحاباة والمحسوبية والعلقات الجتماعية وغيرها.
فالكفاءة حسب هذا التم ّي المعاصر تح ّد حسب قدرة العون على التعامل المثل مع
د ش
الوضعيات المطروحة أمامه بمركز العمل بكل جدية ومسؤولية ومهارة لتحقيق أحسن النتائج
وأجودها وارضاء الحريف والرتقاء بالتالي بالمؤسسة.
والكفاءة هي حصيلة رصيد معرفي وعلمي أساسي وتجربة وتكوين مستمر طوال الحياة
المهنية مع ضرورة التقييم السنوي المشفوعة بالترقيات والحوافز.
فالعون يرتقي السلم الوظيفي حسب كفاءته ول يزاحمه أحد في ذلك فلكل عون مساره
الخاص وتطوره المم ّز به، فل يتأثر بالمعاملت الجانبية ول بمزاج المسؤولين ول يكون
ي
مصيره مرتبطا بالخرين.
وهناك تقييم موضوعي يعطيه هذه الصفة من خلل ما يثبته من شهادات علمية ومعرفة
نظرية ويح ّقه من نتائج علمية على مستوى مركز العمل وهذا الرصيد من الكفاءة يتبعه أينما
ق
ذهب وح ّ ويتح ّل المسؤوليات ويمنح الترقيات على ضوء النتائج الموجودة به فقط. وهكذا
م ل
نقضي على المحاباة والمحسوبية والتدخلت والصراعات الموجودة بين العوان فالكفؤ
يعرفه كل شخص ويق ّره المسؤولون على قدر كفاءته وليس ل ّه يطيعهم أكثر أو يجاملهم
ن د
ويتق ّب إليهم.
ر
والكفاءة هي ما يوازي الجودة الشاملة في النتاج بالنسبة للعنصر البشري. كما أ ّ تحقيق
ن
ق ل
الجودة الشاملة ل يت ّ ا ّ بتحقيق منظومة التص ّف بالكفاءات ل ّ جودة النتاج ل تتح ّق ا ّ
ن ر م ل
عن طريق العناصر البشرية الماهرة والحاذقة لفنون العمل والدارة والتكنولوجيا.
وهذه العملية تكون مبنية على تحديد محتوى المهن والحرف والوظائف كخطوة أولى ل ّ كل
ن
مهنة مع ّنة لها خصوصياتها المضبوطة ومهارات مطلوبة ومعرفة ودراية خاصة بها ول ي
4. يمكن تعميمها أو مقارنتها بالمهن الخرى.
فمهارات وكفاءات سائق السيارة ليست بالضرورة مهارات وكفاءات سائق الطائرة أو الخباز
مثل.
ومنظومة الكفاءة تنقسم تحديدا إلى ثلثة أقسام مح ّدة وبكل قسم نجد المهارات المطلوبة في
د
العون وهي شروط لبد من توفرها وفي غيابها تضمحل الكفاءة وتتلشى.
وللبقاء في ق ّة الكفاءة لبد من التكوين المستمر على طول الحياة المهنية فالمعارف غير
م
جامدة وتتغ ّر باستمرار واللحاق بها ومواكبتها وحذقها أمر في غاية الهمية. فبدون التكوين
ي
تصبح الكفاءة غير ذات جدوى ونقع في فخ الروتين والرداءة.
والكفاءة تتك ّن من العناصر التي ذكرها:
و
أول: المعرفة العلمية: وهي محصول الدراسة والتعليم بمراحله الثلث الذي يم ّن العون من
ك
المعرفة الشاملة والنظريات الخاصة بمهنة مع ّنة ودليلها الشهائد والجازات الممنوحة من
ي
مؤسسات معترف بها من طرف الدولة.
فالدراسة تمكن الفرد من المعرفة النظرية وكذلك العملية كالستاذ والطبيب والمهندس، وهذه
هي القاعدة الولى للكفاءة.
ثانيا: المعرفة العملياتية أو العملية: فالمدرسة ل تعطي صاحب الشهادة الخبرة العملية على
أرض الواقع وفي مركز العمل ا ّ من خلل التربصات التي في الغالب غير جد ّة وليست
ي ل
طويلة المدى. وهكذا يكون المتخرج صاحب كفاءة نظرية وقليل من الكفاءة العملية وينسحب
المر على جميع الختصاصات ا ّ البعض القليل حيث تطول فترة التربصات على أرض
ل
الواقع مثل الطباء والمهندسين.
وهذه الكفاءة العملية ل تكون ا ّ بالتجربة والخبرة بمركز العمل و ُن ّى بالتكوين المستمر
تم ل
والرسكلة وتلحظ على أرض الواقع أي بالممارسة الميدانية وكيفية التعامل مع المشاكل
المطروحة والتص ّف أمام الوضعيات والشكاليات بمسؤولية ومهارة واتفاق.
ر
ثالثا: المعرفة السلوكية: وهي تمزج بين القدرات الذاتية للشخص وتصرفاته في مركز العمل
وحسن تعامله مع المحيط والتأقلم مع المستجدات والتغييرات، فلكل فرد سمات تنشأ معه منذ
الصغر تطبع سلوكه وتوجهه فهناك صاحب الطبع الحاد والطبع المرح والنفعالي والودود
والمقدام والجبان. فكل هذه السلوكيات المكتسبة منذ النشأة الولى تؤثر على تصرفات الفرد
وسلوكه إزاء الميحط وعلقته بزملئه ومرؤوسيه. فالباحث المنعزل بمكتبه ل ُطلب منه
ي
البشاشة مثل وحسن المظهر والهندام مثله مثل عون استقبال بنزل خمسة نجوم.
كما أ ّ السائق مطالب بالنتباه والحذر والحيطة لمخاطر الطريق ويطالب لعب كرة القدم ن
بالمجازفة والمجاوزة يمينا وشمال لتحقيق الهداف.
فلكل مهنة سلوكيات مع ّنة لكي يؤدي العون عمله على أكل وجه ودونها ل يتح ّق عنصر
ق ي
الكفاءة لصاحبها مهما بلغت به المعرفة والشهائد العلمية.
والتكامل بين العناصر الثلثة ضروري لتحقيق مبدإ الكفاءة الشاملة للعنصر البشري.
وهي بالطبع قيمة متغ ّرة وغير ثابتة وتتأ ّر بالتغ ّرات التي تشمل مركز العمل وسياسات
ي ث ي
المؤسسة خاصة في ظـ ّ العولمة والتطور التكنولوجي والتنظيمي والمزاحمة الشديدة في
ل
عالم العمال.
وللبقاء في جدول الكفاءة لبد من العمل على تنميتها بالتكوين المستمر الذاتي أو عن طريق